قبائل لبنان: من بداوة المتحولين المستقرين إلى بداوة البدائيين

د. نزيه الخياط*ينسى غالبية اللبنانيين أن جذورهم بالأصل قبلية بدوية فأتت التصريحات والمواقف البائسة لمسؤولين ووزراء لبنانيين لتعكس ثقافة سطحية ولتكشف عن غرائزية سلوكية وعن التصحر الفكري غير المسبوق وعن انحطاط في الحياة السياسية المتسلطة، ما أمكن إسقاطها كنموذجاً حياً لمقاربة المفكر الفرنسي جاك أتالي الحديثة حول البدو الحديث كنمط متجدد ومستمر في الحياة البشرية من خلال كتابه (الإنسان البدوي L’homme nomade) الصادر عام 2003.وجاك أتالي، ليس كاتباً فقط، بل هو خبير اقتصادي ومفكر ومسؤول فرنسي رفيع المستوى وعضو مجلس الدولة وكان المستشار الخاص للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران والعضو الدائم في منتدى دافوس (منتدى النخبة العالمية)، وهو رئيس تحرير مجلة الإكسبرس الفرنسية الأسبوعية.ولقد اتسمت تصريحات هؤلاء الوزراء بالخفة والعنصرية البدائية، التي تم من خلالها نعت حكومات ومجتمعات دول الخليج العربي بالبدو كصفة بمعرض الازدراء على اعتبار ان مطلقها، وهو وزير الخارجية اللبناني السابق صنّف نفسه زوراً أحد أركان مجتمع العالم الأول، مفترضاً انتماءه لمنظومة تحترم القيم الإنسانية المصانة في دولة القانون والمؤسسات المفقودة واقعيا، ثم استتبعه وزير إعلام الغفلة [ المستقيل لتوه ] في الحكومة اللبنانية الحالية الذي، وللحقيقة، كان مفاجأة الجميع بتدني مستوى تسطيحه وسذاجته السياسية ، التي غطتها شهامة البدوي العربي بعباءة مؤسساته الإعلامية الناجحة التي عمل بها، التي للصدفة، يمتلكها البُداة المتحولون موضوع النعت التافه .شكّل هذان الرجلان نموذجان لحديثي النعمة السياسية المتخلفة في مرحلة الانحطاط السياسي هذه، كما أنهما يتقاطعان معا بوعي سياسي اقلوي مشترك، وتجمعهما صفة السطحية والتفاهة الفكرية والثقافية، فالأول عبّر عن وعيه العنصري ونظرته للبدو باعتبارهم دون مستوى التطور والرقي والحداثة كون منطلقاته مبنية على تعبئة سياسية سلطوية متخلفة تراكمت زمنياً فأضحت حالة مرضية تبلورت عبر مسار تياره السياسي العبثي، أما الثاني ولأسباب انتهازية وصولية، فإنه اتخذ موقفاً استفزازياً منحازاً لمحور إقليمي يمتلك مشروعاً مذهبياً ذهب بتدخله في الشؤون الداخلية للدول العربية لحدّ العبث الفتنوي في نسيجها الاجتماعي، خاصة الخليجية منها، وهي التي...