الأحد - 10 كانون الأول 2023

إعلان

لبنان والنَّازحون من سوريا معضلة اللَّاسياسات عامَّة واللَّاديبلوماسيَّة!

المصدر: "النهار"
Bookmark
مخيمات عشوائية للنازحين السوريين في لبنان.
مخيمات عشوائية للنازحين السوريين في لبنان.
A+ A-
زياد الصَّائِغ* إحترف اللُّبنانيُّون التَّمَتْرُسَ في زواريب سياسيَّة، لا تعنيهم السياسات العامَّة. لم يتمكنُّوا من بناء منظومة الأمن القومي القادرة على حماية وطنهم من الأزمات التي تحوَّلت إلى كوارث. لم يتَّعظوا من تجربتهم مع اللاّجئين الفلسطينيّين. بِقدْر ما احترف اللُّبنانيُّون التَّمَتْرُسَ في الزواريب السياسيَّة، بالقدر عينه احترفوا التذاكي في تبادُل الأدوار، على قاعدة الانكفاء في مسار الاستثمار التسييسّي في التمايُزات البنيويَّة في مقاربة أزمة النَّازحين السُّوريين، والاكتفاء بمنطق أنَّنا متَّفقون على مبادئ المقاربة وأولوِّيتُها إلحاح عودة هؤلاء إلى أرضهم حفاظاً على هويَّتهم الوطنيَّة ونسيج مجتمعهم التَّعدُّدي، وقناعة بموجب منع لبنان أي محاولة لتوطينهم واقعيَّاً بفعل الاستمرار غير المجدول زمنيَاً للصِّراع في سوريا والذي حتَّم على هؤلاء مغادرتها، وبدايةِ تطبيع حياتِهم إلى حيث لجأوا. من غير المُجدي تجاهل أنَّ معضلة اللاَّتوافُق الوطني حول مقاربة أزمة النَّازحين من سوريا، استُهلَّت بلا توافُق حول الأزمة السُّوريَّة نفسها. ففي حين اعتمدت الحكومات اللُّبنانيَّة المتعاقِبة مبدأ "النأي بالنفس" عن هذه الأزمة، وكان سبق ذلك إقرار "إعلان بعبدا" (2012) القائم على تحييد لبنان عن الصِّراعات الإقليميَّة بما يُشبه "الميثاق الوطني" (1943)، كان من عدم احترام الميثاق وإعلان بعبدا أن برز اللاَّتوافُق حول الأزمة في سوريا. مأساةُ الشعب اللُّبناني والنَّازحين ترجمت عملانيَّاً هذا اللاَّتوافُق. إختار "حزب الله" العسكريّ-السِّياسيّ إجتياز الحدود اللُّبنانيَّة متسلِّحاً بشعار مكافحة الإرهاب. لا إمكان في هذه العجالة لتفصيل مندرجات هذا العُبور بجذوره الإقليميَّة وتداعياته الدًّوليَّة، وتأبيده إنهيار الأمن القوميّ للُبنان من منطلق النأي بالنَّفس عما تُعانيه سوريا، أو العِراق، أو اليَمَن. لكنْ من المُهمّ بمكان أنَّ "حزب الله" دَخَل في ذاكرة أغلبيَّة النَّازحين أنَّه ساهم في دَفعِهم إلى ترك مدنهم وبلداتهم وقراهم متسلِّحاً مرَّة ثانية مع النِّظام السُّوري حليفه، وإيران وروسيا أيضاً، مُتسلحاً بشعار مكافحة الإرهاب. ومنذ هذا العُبور إنقسَم اللُّبنانيُّون حول الثَّورة السُّوريَّة. ففي حين اعتبر "حزب الله" وشركاؤه من اللُّبنانيّين أنَّ مؤامرة تجري في سوريا وعليها لشرذمتها وضرب نهجها المقاوِم على غراره، إنحاز باقي اللُّبنانيّين إلى الثَّورة السُّوريَّة بمطالبها المُحقَّة، مع اتِّفاقٍ كامل حول الحاجة لمكافحة الإرهاب لكنْ مع رفض قتالِ "حزب الله" في سوريا، بما يُناقِضُ "النأي بالنَّفس" و "إعلان بعبدا". بقدر ما احترف اللُّبنانيُّون التَّمَتْرُسَ في الزواريب السيَّاسيَّة، بالقدر عينه إحترفوا استحضار الامتداد الإقليمي والدَّولي في هذه الزواريب، ما عقَّد بل زاد تعقيد خِلافاتهم في مقاربة أزمة النُّزوح. ويُمكن فَهْم ذلك من انقِسامهم إلى فريقين على غرار الإنقسام الإقليمي- الدَّولي، ليس حَوْل أزمة النُّزوح وحسب، بل حول نوعيَّة العلاقة مع سوريا حتَّى، وطبيعة المواجهة على أرضها.وإذا كان ليس من إمكانٍ للغَوْص في طبيعة هذا الانقسام العاموديَّة والأُفُقيَّة لكثافة التَّعقيدات الجيو-سياسيَّة كما السيكولوجيَّة التي جعلت من لبنان بمُباركة دوليَّة-إقليميَّة في أوائل التسعينيَّات تحت وصايةٍ سوريَّة بالكامِل، ناهيك عن التَّصادُم اللُّبناني-السُّوري منذ بدايات السبعينيَّات، لا بُدَّ على الرَّغم من هذا اللاّإمكان، من التأكيد على أنًّ بوصلة اللاَّتوافُق الوطني حول كيفيَّة مقاربة أزمة النزوح مبنيَّة في صميمها على نوعيَّة العلاقة مع سوريا.ثُمَّ إنَّ أحد العناصِر المكوِّنة لهذا اللاَّتوافُق يتبدَّى أيضاً في استجلاب الاشتباك الإقليمي-الدَّولي حَوْل مستقبل سوريا- النِّظام، وسوريا- الدَّولة، وبالتَّالي انسحاب هذا الاشتباك على ما يُصِّر البعضُ على تسميته بـ "ورقة النَّازحين"، وفي هذا تجريدٌ لمأساةِ هؤلاء من حقائقها المُوْجعة، وزجِّهم في دوَّامة الحروب...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم