أعمالها غير تقليديّة. "هيدا" إذا أردنا أن نتوسّل التحفّظ أسلوباً لدى وصفنا للمشهديّات المرئيّة، التي اختارتها الفنّانة الشابّة دزوفيغ أرنيليان، لتطلّ من خلالها على العالم الخارجيّ.
والجسد بالنسبة إلى هذه الناشطة النسائيّة "العشرينيّة" هو حقل اختباراتها.
الإلهام؟
"كان وجود هالآلة بالبيت – آلة الساكسوفون"، كما تروي لنا في حديث معها في غاليري "آرت لاب"، التي عرضت فيه أخيراً بعض أعمالها الاقتحاميّة.
والدها، كما يتّضح لنا في الدقائق الأولى من اللقاء، يضطلع بدور محوريّ في حياتها. "والدي أستاذ موسيقى، يعزف على الساكسوفون".
اسمه؟
غريغور أرنيليان. وذات يوم، قرّر غريغور أن يزور اليابان قاصداً شركة – ياماها – وتعلّم هناك فنّ تفكيك الآلة الصديقة ورفيقة كلّ أيامه. "كما تعلّم كيف يُعيد الأجزاء إلى مكانها. وحاز على شهادة صار بفضلها عشرات الفنانين من مختلف أنحاء العالم يزورونه ليُصلح لهم آلاتهم، ويُعيد إليها تألّقها بعد تفكيكها وإعادة تركيبها مجدّداً".
تُضيف ضاحكة:" أعتقد أنّه طالما أراد أن يكون طبيباً، ولكن لم تسنح له الفرصة للالتحاق بكليّة الطبّ". فإذا به يتحوّل مع مرور الأيام، "حكيم الآلات الموسيقيّة".
أمّا دزوفيغ، فكانت تبحث عن نفسها وتحاول أن تفهم جسدها. وفي الاستوديو الخاص بها في النيو روضة، جرت العادة أن ترسم نفسها وهي عارية.
وكان الأستوديو الخاصّ بوالدها "إدّامي ببنايتين".
ودزوفيغ انشغلت بالبحث عن نفسها، وفي اكتشاف حنايا جسدها.
وأمضت الوقت في وضع الألوان على جسدها العاري "من فوق لتحت"، متوسّلة الطلاء المصنوع بالأكريليك، لتُلصق في المرحلة الثانية جسدها على قماش علّقته على الجدار. فإذا بالجسد العاري ينتقل على القماش ليُصبح لوحة تعبيريّة تثور من خلالها الشابّة على المجتمع المُنغلق، وتفهم في الوقت عينه أسرار جسدها و"شو حابب يقلّا".
وبعد فترة طرحت على نفسها السؤال الآتي:
"جسمي وين عم بيقلّي ركّز؟ وين المكان يلّي ع بالي إنّي إحكي عنو؟"
فإذا بها تختصر وتختصر وتختصر، إلى أن شعرت بأنّ صدرها، بكلّ ما يختزنه من حميميّة، وحده سينتقل من الآن فصاعداً، إلى القماش المعلّق على جدران الاستوديو الذي حضن ثورتها. "فلمَ أطبع كلّ جسدي، إذاً؟"
وراحت تطبع صدرها على الأقمشة، لترسم من حوله الأشكال التجريديّة.
وقد اختارت نسيج الساتان الحريريّ انطلاقاً من كون "البنت في مجتمعنا، ترتدي في ليلة زفافها هذا القماش. وهو يتضمّن تالياً لمسة جنسيّة. ولأنّني لست متزوّجة، أردتُ أن أتوسّل القماش في أعمالي لأثور وأتحدّى".
وغالباً ما كانت تزور والدها، "طبيب الآلات الموسيقية"، فيصطدم نظرها يوماً فآخر، بالآلات "المفكفكة".
وسرعان ما جذبتها الضمادات أو جلود مفاتيح آلة الساكسوفون (البادز) التي لها علاقة بالصوت، وهي تحدّد عمق الصدى أو خفّته، وهي تدوزن الصوت.
ولأنّ الشابة كانت تقوم ببحوثها حول جسد المرأة، شعرت بأنّ شكل البادز في آلة الساكسوفون تُشبه إلى حدّ بعيد جسد المرأة.
"كما أنّ العلاقة مع آلة الساكسوفون حميمية جداً، وتتخلّلها الكثير من الحسيّة، وفيها لمسات أنثوية. في الحقيقة شبّهت البادز بحلمة الصدر. وكأنّ هذه الجلود هي حلمات آلة الساكسوفون".
فإذا بوالدها يقدم لها الكيس الذي يحتوي على البادز القديمة التي لم يعد يريدها، لتبدأ معها دزوفيغ تجربتها الجديدة مع الجسد. "قرّرت أن أجمع التجربتين في تجربة واحدة. بطريقة مختصرة جدّاً". وولدت من الاختبار الجديد لوحات تعكس الصدر، وقد طبعته دزوفيع بالجلود، فإذا بالحلمة تأخذ أبعاداً جديدة لها علاقة مباشرة مع الأنثوية.
حلمة الصدر تصطدم بجلود الساكسوفون، لتولّد منها لوحات لا تتعدّى السنتيمترات القليلة، تلخّص من خلالها هذه الشابّة المتمرّدة، إصرارها على تحدّي المجتمع المنغلق، الذي تسيطر عليه المفاهيم والقوانين "المعلّبة".
لوحات تصرخ على طريقتها:
"القليل من الحرية إذا بتريدوا".