الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"نحو أفقٍ لامتناه"... ماذا أراد شوقي دلّال أن يخبرنا؟

المصدر: "النهار"
لوحة "نحو أفق متناه".
لوحة "نحو أفق متناه".
A+ A-

الدّكتورة حمدة فرحات

بين الأرض والسماء علّق شوقي دلال لوحته الصحراوية ذات الرمال الذهبية المتمازجة بين حرّ ورطوبة، لاغيًا حدود المكان والزمان، فلا مكان ولا حدود تحكم رسمه؛ ينظر إلى اللوحة ويقف مندهشًا، هو يريد  أن يقول شيئًا يعبر به عمّا يشعر  لكنه في الحقيقة لا يعي ماذا يشعر... كلّ ما يعلمه  أنّه  مستغرب ومأخوذ، بجمالٍ لامتناهٍ  واتّحاد بين الإنسان وبيئته  .

وبالرغم من أن اللوحة مرسومة بأدوات معروفة بألوان طبشور الباستيل على ورق كونسون بقياس 30 على 40 سنتيمترًا، إلا أن المضمون مجهول وغامض بالرغم من إشراق اللوحة،  حيث نلاحظ الثنائيات في كلّ التوجه السيكوحركي للانسان في الصحراء.




نبحث عن بداية اللوحة، عن حدودها، فلا نجدها؛ سواء على مستوى الجهات أو على مستوى الفصل بين الأرض والسماء. 


ربما اللوحة تبدأ برحلة زمنية، بحركة، بقصة أو برواية لم تنته فصولها بعد. يظهر ذلك من خلال رسم نصف الجمل بحمله الذي يبدو ثقيلاً بالرغم من حجمه العادي، والملاحظ بأنّ حركته صعبة وثقيلة فهو يجهد نفسه ليكمل المسير ، على عكس الرجل الذي يقوده ويحمل وزنًا، فيوحي بالحماس والانطلاق نحو وجهة لا يعلم عنها شيء، إلّا أنّه يعتمد على الشمس  البعيدة/ القريبة، الكبيرة/ الصغيرة، القويّة/الضّعيفة التي رسمها شوقي دلال في سماء تماهت إنعاكاستها بألوان أرض الصحراء. لا حدود فاصلة ولافرق. الثنائيات والتضادات مجتمعة وكثيرة.

 

لا تبدو لنا الصحراء على أنّها رمال فحسب،  إنّما هي مياه تموج كبحر ذهبي. حرّها رطوبة والوحدة فيها استمتاع وفرح ومشاركة،  وفراغها  وفقرها غنى مليء بالحياة والجمال والاستمرارية.

 

وقد لا يعلم الرجل الرحالة وجهته،  لكنه يمضي إليها بفرح وثقة... هو يتبع الشمس ويتماهى بها وبالطبيعة كأنّه منها وهي منه. أسلم الرحالة نفسه للطبيعة بكل شجاعة متحركًا مع شمسها ورمالها. ينام حين تغيب تحت نجوم قريبة، وينتظر الشروق ليكمل مسيره. تكيف هذا الانسان مع الطبيعة، بل وجد سلامه الداخلي باستسلامه لجبروتها وتقلباتها، ذلك أنّ ثنائية الحياة البشر، على غرار ثنائيات الشمس والظلّ، والتعب والراحة، والحرّ والرّطوبة،  لا خيار أمام الإنسان  سوى الاستسلام لها .

 

يقول شوبنهاور أنّ الحقيقة ثنائيّة في طبيعتها، فهناك  الموضوعيّ وهناك الشخصيّ... هناك المعلوم وهناك العالم،  أيضًا، هناك المراقَب وهناك المراقِب.

 

تأسيسًا على استنتاجه، لولا وجود المكان والزمان والسببيّة، لن نتمكن نحن البشر من تمييز الأشياء عن بعضها، فضلًا عن أنّ التعددية هي إحدى أوجه الظواهرية، والحقيقة الميتافيزيقيّة هي واحدة .

 

وأخيرًا السؤال؛ ماذا يريد شوقي دلال أن يقول لنا؟ أنّ لا فواصل بين الإنسان والطبيعة؟  بين عناصر الطبيعة ذاتها؟  بين البشر جميعًا؟

 

لقد كافح الإنسان السعودي والخليجي عوامل البادية، ورحل طويلاً، وجاهد يبحث ويبحث عن الحياة، إلى أن أدرك  بأنّه يعيش في قلب الحياة بمميزاتها، وبذلك يكون قد أدرك نفسه ووجد سعادته  وسلامه الداخلي. لا حدود تفصله عن أخيه الإنسان، ولا ثقافة تعزله، فكلّ شيء واحد.  والآخر أتى إليه باحثًا أيضًا عن شمسه .

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم