الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

معرض عن #صديقتي الشريرة لـ"أمم"

المصدر: "النهار"
من المعرض. (مروان طحطح)
من المعرض. (مروان طحطح)
A+ A-

في الهنغار، تستعيد أمم للتوثيق والأبحاث جوانب عدة من عالم الكاتب والباحث والمخرج لقمان سليم،  فتنظّم معرضاً يجمع ما بين الفنّي والتوثيقيّ يحمل عنوان  "عن #صَديقتي الشرّيرة"، تيمّناً بصديقة لقمان الافتراضية، وهي شخصيّة ابتكرها لقمان سليم  بحس ٍمن السخرية اللمّاحة  وبات يسرد على لسانها مقاربته الخاصة  لمختلف المسائل المحيطة بنا  وخصوصاً السياسيّ منها.

 

القسم الأول: عودٌ على صديقتي الشرّيرة

إن كان المعرض يولي اهتماماً خاصّاً إلى  صديقة لقمان  الشريرة، إذ كان من عادة  لقمان  أن يخاطب  الناس عبرها  على  وسائل التواصل  الإجتماعيّ في جمل وجيزة متمكنّاً بحنكته المعتادة وبلغته المتطبعة بثقافته وفكره الخاص أن يطرح عبرها إشكاليّات أكثر تعقيداً. غير أنّ المعرض  أيضاً منصب وبشكل أساسيّ على فكر  لقمان  وعمله البحثيّ والتوثيقيّ  في "أمم للتوثيق و الأبحاث" و"هيّا بنا" والمشاريع الّتي  خاضها  وزوجته وشريكته  المخرجة مونيكا بورغمان  في تأسيس أمم و إدارتها  على مدى أكثر من 17 عشر عاماً، بدون أن نغفل عمّا  سبق تلك المرحلة التي من أبرز محطاتها  تأسيسه لـ"دار الجديد" الّتي وفي وقت لاحقٍ انتقلت إدارتها  لشقيقته  الكاتبة  رشا الأمير.

 خلال المسافة القصيرة  نسبيّاً الّتي يعبرها زائر المعرض في الهنغار، يتنقل  زمنيّاً وجغرافيّاً عبر تاريخ العنف ونظمه، وهي التي تشكل حدود العالم العربي، فتتشكّل له بوضوح  الرؤيا التي آمن بها لقمان ومدعاة انشغاله الدائم بتوثيق الذاكرة وأشكال العنف، في بلد تنكّره لذاكرته يصل  حدّ  الرهاب وفقدان الذاكرة الجماعيّ، وتنبع هذه الرؤيا من اقتناع راسخ يتجسّد مليّاً في كلّ أتمّه وأشرف عليه  من مشاريع وأبحاث ودراسات بأنّ الذّاكرة هي بالفعل  ساحة معركة مثلما عرّف عنها  لقمان، ولعلّها المعركة الوحيدة المتاحة أمامنا.

يتجسّدُ  المعرض  إذاً عبر عدة أوجه، تراوح ما بين الفنّيّ والأدبيّ والتوثيقيّ. من الناحية الفنيّة، هو  بدايةً عبارة عن  توليفٍ بصري خاصّ من تنظيم فريق "أُمم للتوثيقِ والأبحاث". فَمِنَ المساحاتِ الإفتراضية حَيثُ اعتادَ لُقمان أن يحدّثَنَا  وعلى لسانِ صديقتِه ِالشريرة  خاطّاً نقدَه ُحول ما نَعيشهُ  إلى الهنغارِ حيث  تتمثّلُ كتاباتَهُ وتتلاقى مع صورٍ فوتوغرافية  لمروان طحطح تحاكيها و تستنبط منها سردياّت مختلفة.

 المدينة في صور مروان طحطح هي بيروت اليوم، ما بعد 17 تشرين وانفجار المرفأ، فيبدو أن ما يشغل طحطح في هذا المعرض أكثر من أي تفصيل آخر هو كيفية التقاط  صمت المدينة، في أماكنها وشعارتها المهجورة، في العتمة التي تغرق فيها كل ليلة. وفي  خضم كل ذلك الهدوء  يتجلى مليّاً كلّ ما هو غائب عن الصورة نفسها وعن حياة المدينة، بما في ذلك سكّانها. لا يهدف  مروان طحطح  في هذا المعرض إلى تجسيد معاني أقوال لقمان  حرفيّاً، بل التلاقي معها وهذا ما يحدسه الناظر، فهنالك رؤيا أبعد نلتمسها في  كتابات لقمان و كلّها تحيلنا إلى حاضر بيروت اليوم، إذ لا تَفقِدُ كلماته  حِسَّهَا الآني و صِلتَهَا بحاضرٍ متعثرٍ، نمضي ولا يمضي بنا  قدماً.

 

لقمان كأنما استبق اغتياله محلّلاً ببلاغة دوافع القاتل حين كتب: "قَتلُ النَّفس الزَّكِيَّة أهوَنُ على القاتِلِ مِنَ التَّسليمِ بمَوتِ القَضِيَّة التي يَقتُلُ من أجلِها"، وإذ هو  في مقطع آخر، يسرد لنا كل أوجه المأساة بلا أن يذعن ولو لبرهة للتخلي عن حسّه الساخر: "يَشَرحُ صَدري أن لا مُخَلّصَ، ولا مُنقِذَ، ولا مَفَرَّ، ولا مَنجاة..." فلعلّه وفي تلك الخلاصة،  قد يتمثّل خلاصٌ ما.

القسم الثاني: المعرض في منحاه التوثيقي

عود ٌعلى مختارات من الكتب المعروضة

أمّا فيما يخصّ  الجانب التوثيقي من المعرض،  فإن كان  يستحيل فعليّاً  توثيق كامل ما أنجزته "أمم" حيث أنّ أرشيفها الضّخم هو دائماً قيد الجمع ويشكّل بنياناً مستقلّاً بحدّ ذاته، إلّا أنّ في المعرض عودٌ على بعض من  أهم المشاريع  المنجزة والمقسّمة بحسب فئاتها وعناوينها، إذ أنّها تعكس طبيعة عمل أمم و دعوتها  الدائمة لإعادة التفكير في الذاكرة وما يرتبط بها من قضايا من زوايا خاصة  قلّما تم التطرّق إليها: بداية  بقضية المفقودين في الحرب الأهلية  ضمن معرض  ارتأى لقمان في حينها أن يحمل عنوان "ولم يعودوا..."، ونفّذ  ضمن مشروع موسّع أطلقته "أمم" من خلال  مبادرة  "ما العمل؟ لبنان و ذاكرته  حمّالة الحروب"، إلى مختلف المشاريع التي تخوض في ذاكرة الحرب الأهلية والمنشورات الخاصة بديوان الذاكرة اللبنانيّة، وهو بحسب توصيف لقمان "دَليلٌ إلى "السِّلْمِ" و"الحَرْبِ"، لا إلى واحِدٍ مِنْهُما دونَ الآخر".

تتسم هذه الدراسات بخصوصيتها في مقاربتها  لمسألة الذاكرة والعنف. أُنجِزت في رحب  ديوان  الذاكرة اللبنانية،  وصدرت عن "أمم للتوثيق والأبحاث" كتلك التي تناولت حوادث العنف الفردية وكيف يمكن قرائتها ضمن الواقع اللبناني وأشكال العنف المختلفة التي تتنازعه، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دراسة من إعداد حسن عباس و عنوانها  "كترمايا: عن جريمتين و أكثر مطالعات في كتاب الفظاعة (اللبنانية) العادية..."، في تحليل  جريمة كترمايا و جريمة الثأر التي تبعتها، إذ فوض الأهالي لأنفسهم عقاب المتهم والتمثيل  بجثته.

 وفي ذات السياق، نشرت دراسة أخرى حول قضيّة مقتل  الشاب جورج أبو ماضي في عين الرمانة عام  2009  حملت عنوان  "تأمّلات في مقتل جورج أبو ماضي و في مرويّاته"، النصّ الذي اشترك في إعداده كلّ من ماري كلود سعيد، لقمان سليم وحسن عباس. يضاف إلى الجمع بالطبع مختلف الدراسات الإحصائية أو التوثيقية  التي  نشرتها "أمم"  على مر السنوات حول محاور مختلفة  من بينها "بالرّوح  بالدّم"،  وهي دراسة إحصائية حول مقاتلي الحرب  تستند على استطلاع للرأي نفذته شركة "ستاتيستكس ليبانون"، في حين أنّ  "يوميّاتُ اللجوء وأحَاديثه لبنان"  المقسّمة بحسب السنوات إلى مجلّدات من بحث وتوثيق عبّاس هدلا وإشراف لقمان سليم ومونيكا بورغمان،  تفصّل بدقّة كل الأحداث والتفاصيل المتداخلة  المحيطة بمسألة اللجوء في ما هو بناء لرؤية  أكثر تكاملاً ورسم  تحليليّ دقيق  للخطاب اللبنانيّ الطاغي في مقاربته لمسألة اللجوء.

 وضمن سلسلة  دفاتر "هيّا بنا"، تطالع القارىء نصوص تتراوح ما بين التحليل السياسي وأخرى تجنح نحو الخاصّ في مقاربتها لما هو أكثر عموميّة، وهي تتفاوت في طابعها ما بين التوثيقيّ والأدبي، و قد تتكفّل عنوانيها بتمهيد محتواها للقارىء، فنتوقف عند مختارات منها: "هذا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى... الأدوار، الواقع، الأفق"  للشيخ محمد علي الحاج، "ولاية الدولة و دولة الفقيه  الشيعة و تحديات المواطَنَة" للسيد علي الأمين، وقراءة  خاصّة أعدّها لقمان سليم وفادي توفيق حول انتخابات الجنوب 2005 عنوانها "كيف انتخابات حرة في دار حرب؟"،  دون أن يفوتنا "طريق ذات الشوكة الشيعة اللبنانيون في تبلور وعيهم الوطني" لسعود المولى و"يا علي... لم نعد أهل الجنوب " لرامي الأمين و "سقطتُ سهواً... مرتين  سيرة <<مقاوم >> يبحث عن<< وطن >>" لبلال خبيز. يضاف إلى ما سبق ذكره  منشورات أخرى نادرة في ما توثقه وما تتطرق إليه كما على سبيل المثال "حتّى إشعار آخر قصص قصيرة من  سيرة المحكمة العسكرية في لبنان (1945-2015 )" الذي يتناول مسألة القضاء العسكري في لبنان  و"قضية لبنان أمام مجلس الأمن  النصوص الكاملة لمحاضر الجلسات الرسمية 6-11 حزيران  1958".

وبالعودة إلى إصدارات "أمم  للتوثيق و الأبحاث" الخاصّة بـ"منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية" الّذي يعنى  بمسألة السجون ونظم التعذيب في مختلف البلدان العربية وتشمل لبنان، سوريا، مصر، العراق والبحرين وغيرها من الدول،  فلنا أن نتوقف عند  شهادات  ملفتة في شفافيتها وفي سرديتها ومقاربتها للنظم السجنية  رواها معتقلون  سابقون  في سجون مختلفة من العالم العربي، من أبرز عناوينها  "العَودُ إلى بني أُمّي"، وهي شهادة سجين سابق دونّها حسن الساحلي وهي وثيقة مهمة عن سجن  زحلة  ترصد مدى هيمنة العشيرة  والتقسيم الطبقي/ العشائري الذي يمارس داخل هذه  السجون. سير أخرى لا تقل  أهمية عن الأولى  كما في  "أجساد راقصة" للمصري أحمد عبد الحليم،  فالنص الذي يصنفه كاتبه ضمن أدب الرواية القصيرة  هو  فريد  من حيث سرديته الخاصة، و في اهتمامه  بأكثر  التفاصيل حميمية  حيث ينشغل  الكاتب  بآلية تفكيك جسد المعتقل، مصوراً كيف تتحول تدريجيّاً علاقة السجين مع مفهوم الجسد و خصوصيّته.  

نصّ آخر لا يقلّ فرادة من حيث  الزاوية الخاصة التي يتطرق من خلالها إلى مسألة السجون وهو "كلام حبسجية نماذج من مسكوكاتِ السّجنِ المصري"،  حيث ينصرف  أحمد سعيد  إلى تعريف  القارىء بكل المصطلحات المتداولة  في السجون و معانيها. وليس لنا أن نغفل عن  السيرة الذاتية الاستثنائية  لعلي أبو دهن في كتاب " عائد من جهنّم  ذكريات من تدمر و أخواته" الذي يروي فيه سيرة اعتقاله  في سجن تدمر على مدى 13 عشر عاماً، والصادر عن "دار الجديد" و"أمم للتوثيق والأبحاث" و "جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية".

 ولا تغيب عن المعرض  إصدارت أخرى مشتركة لـ"أمم للتوثيق والأبحاث" و"دار الجديد"، قد يكون أبرزها "الفظيع و تمثيله... مُداوَلاتٌ في شَكلِ سُوريا المُخرَّب و تَشكُّلِها العَسير" لياسين الحاج صالح، الكتاب الذي كان لقمان  يعمل على تحريره  قبيل اغتياله بأيام، وإصدارات أخرى سبقتها عن "دار الجديد"، من بينها "أنا الضحية والجلاد أنا"، وهي سيرة جوزيف سعادة  برواية فريدريك برونكيل وفريدريك كودريك التي نقلها إلى العربية باسكال تابت ولقمان سليم.

 
 وبخلاف ما هو معروض  من الكتب والمنشورات، تطالعنا أيضاً مختارات  مختلفة من مكتبة "أمم بالصوت والصورة"، من بينها "دعهم يرقدون بسلام  ...."، وهو وثائقيّ بتوقيع "أمم للتوثيق والأبحاث"، يعرض شهادة العميد سليم أبو اسماعيل، رئيس لجنة التحقيق الرسمية للإستقصاء عن مصير المخطوفين و المفقودين"،  وكذلك "زقاق البلاط نتف من ذاكرة حيّ بيروتيّ"،  بتوقيع كريم الحكيم.

 قد يكون من المفيد الذكر أنّ الكتب والمنشورات المعروضة ليست للبيع بل  بإمكان من يودّ من  روّاد المعرض  الإستحصال على نسخ منها بلا مقابل مادّيّ.

 المعرض مستمرّ لغاية الأول من أيّار ويشرّع أبوابه أمام الزوار من الإثنين إلى الجمعة ما  بين  الحادية عشر  صباحاً والسادسة  مساء.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم