الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"متحوّرات ما بعد الاستعمار" تحت مجهر الشارقة للفنون

المصدر: الشارقة- "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
لقطة من "لقاء مارس".
لقطة من "لقاء مارس".
A+ A-

العنوان إشكاليّ بذكاء: الـ"متحوّرات" الّتي ترنّ في هواجسنا منذ عام 2020، تتلاحم مع ديناميكيّة "الاستعمار" الّتي تغور جروحها وتتمددّ منذ الأزل تحت جلدة الإنسانيّة. مروحة من الأسئلة العابرة للشعوب والأزمنة يحفّزها "لقاء مارس السنويّ" بنسخته الـ14 الّذي أطلقته مؤسسة الشارقة للفنون في معهد الشّارقة للفنون المسرحيّة من 4 إلى 7 آذار في التزامن مع "معارض الربيع" الّتي تستمرّ لغاية 7 آب.

تحوّل المنشأ الفنّيّ الفريد في المريجة إلى "أغورا" استقطبت متحدّثين بارزين في الفنّ والأكاديميا، يناقشون ألوان الفنّ المعاصر وقضاياه من زاوية ما بعد استعماريّة. وتتناول الندوات أطيافاً واسعة من القضايا الشائكة المتناسلة عن محور الاستعمار، مثل العنصريّة والفصل العنصريّ والاستيطان، جاءت تمثّلاتها واضحة وجريئة في ملفّ فلسطين.

 

حور القاسمي: إرث الاستعمار فنياً

بداية، أوضحت رئيسة الشارقة للفنون، الشيخة حور القاسمي، التكامل بين "لقاء مارس" و"معارض الربيع"، حيث تحتوي الأخيرة على نتاجات فنية وجماليّة تتناول موضوع ما بعد الاستعمار، بهدف إلقاء الضوء على التاريخ والجهود المبذولة لتكريس أهمية الفنون وعمل المؤسسات الثقافية حول العالم، ضمن مقاربة موسّعة للقاء مارس 2021 الذي عالج "تجليات الحاضر".

وفي محاكاة جماليّة، تتضمّن "معارض الربيع" معارض فردية لفنانين معاصرين بارزين من الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: معرض "ما بين بين" لأعمال الفنان الفلسطيني خليل رباح المفصلية، ومعرض "الرفيق قبل الطريق"، الذي يتضمن أبرز أعمال مجموعة كامب الفنية في مومباي بين عامي 2006 و2020، ومعرض "أصوات مرئية"، وهو المعرض الفردي الأكبر للفنان اللبناني لورنس أبو حمدان. كما يقام معرض استعاديّ بارز للفنان اللبنانيّ عارف الريس (1928-2005)، ويشارك "معهد إفريقيا" ضمن معرض المصور الغاني جيرالد عنان فورسون.

"ما بعد الاستعمار" يدفق بالدراسات النقدية التي تعالج الاستعمار والإمبريالية، وإرثهما في المجالات الثقافية والاجتماعية والأدبية، سواء من نظرة المستعمِر أو المستعمَر، ويأخذ في اعتباره المناقشات الجارية حول مصطلح "ما بعد الاستعمار"، وغياب الاتساق الزمني في التجربة الاستعمارية وعمليات تفكيكها. يشير "ما بعد الاستعمار" إلى التكييف الإيديولوجي والثقافي للبنى والتشكيلات الاستعمارية، ما يستبعد المطالبة بواقع يتجاوز الاستعمار بكافة تجلياته.

سييفاك: ماذا بعد الاستعمار؟

الجلسة الأولى بعنوان "ضرورات إعادة تصور ما بعد الاستعمار"، تحدّثت فيها غاياتاري شارافورتي سييفاك، أستاذة اللغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، وشدّدت على ضرورة إعداد العقول للتصدي ضد رواسب الفترة الاستعمارية ونتائجها ورواسبها، في فعل مواجهة لليبرالية العالمية الجديدة التي تعتبرها نوعاً من الاستعمار وأداة للقمع الإديولوجي، تخضع لها شعوب مُستعمرة تابعة.

ووجدت أنّ التطرّف هو ردّ فعل على الاستعمار وإرثه، وفي مثاله روبرت موغابي، رئيس زمبابوي السابق، فلولا الاستعمار ما كان نما التطرف المضاد. وطالبت العالم الغربي بإعادة النظر في فوقيته وتغيير نظرته لبقية البشر، فهم لا يقلون عنه أهمية.

وفي خلاصات سييفاك، أنّ تغيير الذهنيات والأفكار مسألة تعتيرها صعوبات بالغة، ويجب أن يضطلع بها خصوصاً مدرسو العلوم الإنسانية في المدارس، والمؤسسات الثقافية بطريقة مفروضة على كل شرائح المجتمع. ونقلت من خلال لقاءاتها، أنّ التخيل لدى الشعوب الناجية من الاستعمارات هو كوّة معرفتهم بالعالم وبما يدور حولهم، بالرغم عدم تلقيهم التعليم.

عريقات: فلسطين والفصل العنصري

شكّلت الندوة الثانية "بنية ديمومة اللامساواة... الاستعمار الاستيطاني والتفرقة والفصل العنصري" صرخة حقوقيّة لاذعة في مضامر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أطلقتها المحامية الفلسطينية الأميركية في مجال حقوق الإنسان والأكاديمية والمستشارة السابقة في الكونغرس، نورا عريقات.

كما تحدث فيها كل من بريمش لالو، أستاذ التاريخ في معهد أفريقيا والفنان الفلسطيني المشارك في المعارض خليل رباح.

ركّزت عريقات على الاستنسابية في الحقوق  في مسألة فلسطين، مما كرس عبر الأزمنة غياب المساواة بالرغم من وجود قوانين دولية ضد كل الجرائم التي يمارسها الاحتلال، لكنها تبرر للاحتلال أعماله، وفي حال تطبيقها فهي تعاقب أفراداً لا دولاً، وهي مظالم عابرة لكل صفحات الاحتلال الاسرائيليّ لفلسطين.

الممر الأوسط الجديد واللامساوة

 الجلسة النقاشية الثالثة عنوان "الهجرات إلى الشمال والترحيل القسري والممر الأوسط الجديد" جمعت كلّاً من زاهد تشودي، أستاذ الانكليزية المشارك في جامعة برينستون، والفنانة والمحاضرة في الثقافة البصرية بجامعة غولدسميث عائشة حميد، والفنانة بشرى خليلي عن بعد، والفنان رشيد قريشي.

وعرج المشاركون على التساؤل الذي يحوم حول الجوائز الأدبية العالمية ومظاهر الاحتفاء المستجدة من قبل المؤسسات الغربية تجاه المواهب المنحدرة من الجنوب والمُستعمرات القديمة، وفي رأيهم أن هذه الظاهرة تحمل تناقضاً صارخاً مع تصعيد سياسيات النبذ والخطاب الكراهية الموجّه ضد الأجانب ومكافحة الهجرة في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وناقش المتحدثون في الجلسة الرابعة "بنية ديمومة اللامساواة: الأصالة والسيادة"، الفنانون بروك أندرو، وجيرالد مكماستر، وجولين ريكارد (عن بعد)، وميغان تاماتي كبونيل، مفاهيم "السيادة" و"تقرير المصير" المولودة من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، وانتفاء الحقوق المنشودة في السيطرة على "مناطق محددة استعمرها السكان العاديون في حقبة تاريخية معينة".

وتتوالى النقاشات في اليومين اللاحقين حول "البيئة والمناخ والاحتباس الحراري"، و"استرداد الأعمال الفنية والتحف المنهوبة وإعادتها إلى أوطانها"، والحركات الاجتماعية ضد العبودية الحديثة مثل "حياة السود مهمة"، وضرورات نظرية للمفاهيم الجديدة بما فيها أشكال التمييز والنسوية والهويات الجندرية، والكولونيالية وتفكيكها وآثارهما، والأوجه الجديدة للاجتثاث والهيمنة، فضلاً عن عروض أفلام ومناقشتها مع الفنانين.

يعيد "لقاء مارس الثانوي" الاعتراف بوباء الاستعمار الذي يحمل متحورات شتى جديرة بالتفكيك، فوضع هذا النقاش تحت المجهر، ودخل في لبّ جدلياتها. ويرافق الفنُ الصوتَ ليعري الواقع الاستعماري بتمثلات جميلة ترسم الواقع القبيح.

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم