الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

"مخالب المتعة"... كيف يقتنص الجنس أجساد المعطّلين؟

المصدر: "النهار"
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-
 
إيمان بلعسري
 
"مخالب المتعة"، رواية للشاعرة والروائية فاتحة مرشيد، صادرة عن المركز العربي للثقافة، ربيع 2009. تجول الرواية بالقارئ على امتداد 155 صفحة، في مجموعة من الظواهر والتشوّهات الاجتماعية التي أفرزتها البطالة داخل المجتمع المغربي.
هل للمتعة مخالب؟
 
تنطلق الرواية بشكل تصاعدي من خلال مونولوغ للراوي البطل أمين، يحقق من خلاله إدراكاً أولياً للقارئ بالمشكلة الأساس البطالة. لتكون الانطلاقة الحقيقية للمنحى السردي لقاءً يجمع البطل بصديقه القديم عزيز، حين يعرّفه إلى عوالم جديدة اقتحمها الرجال كما النساء بشكل ديموقراطي من خلال الجسد.
 
تسلّط الكاتبة الضوء على ظاهرة "الجيغولو"، أو ما صار يعرف بالدعارة الرجّالية برفقة نساء من الطبقة البرجوازية، سرقت منهنّ حياة الترف والمال لذة الجسد الشابّ.
تقف الرواية بشكل عمودي على معالجة تصدير الوهم الذي تتولّاه البرجوازية عبر تزييف الواقع، بشكل سمح للكاتبة بعرض نموذجين متناقضين من العلاقات الإنسانية؛ أحدهما مخلوع من الجسد لحدّ المثال بين أمين وبسمة اللذين يتشاركان فراغاً عاطفياً بعد توالي فصول الفقد، وآخر هو رابطة شَبِقة مشروطة بالمال والهدايا، تجمع عزيز وليلى ضحيتَي الحرمان العائلي والعنف الجسدي المبكر.
 
تقيم الرواية عرضاً واضحاً لتعدد الشخوص والميكانيزمات السيكولوجية في أزمنة تجمع الماضي بالحاضر، ليكون بذلك الاختلاف يسير الوضوح بين فوارق العالم السفلي المأهول بالفقر والخرافة الشعبية، وبين فنادق الخمس نجوم وأضواء الاحتفالات الخاصة.
فكّك الحوار بين الشخصيات مجموعة من الأزمات السوسيو - إنسانية، تتوزّعها مآلات الاغتصاب المبكر تارة، وعقدة الأمومة تارة أخرى، عبر مسافة عمرية خلقت إدماناً هستيرياً على تعدد العلاقات الجسدية في صفوف الجنسين، عطفاً على التهميش والإقصاء الذي سرعان ما يُفضي إلى تكالب العاهات الداخلية. كل تلك المظاهر وأخرى، تفضي إلى وظيفة الأدب في التطرق لما هو مسكوت عنه بفعل كلمة "حشومة"، ما منع الرواية من العرض في أكثر من معرض دولي.
 
تُخرج "مخالب المتعة" القارئ من سطحية الصورة التي يبدو عليها الشارع مدّاً وجزراً نحو عمق إشكالية الإنسان المقهور إما بفعل تفريغ اللذة المكبوتة، أو العكس حيث الخلاص من الجسد جانباً تحت راية المثال، والخيمة والقبيلة الخانقتين.
 
 
فلتسقط الأوهام!
"فلتسقط الأوهام" جملة أفرغت محتوى الرواية في قالب يربط البداية بالنهاية المفتوحة للأحداث، إذ يفرّق الموت والأسر ليلى وعزيز بعدما اقتحم الحبّ مشهد السرير بينهما، بينما سينتقل أمين من البطالة إلى الوظيفة العمومية بعد انفصاله مباشرة عن بسمة التي ستهاجر برفقة زوجها وبناتها إلى كندا.
 
فتح تسارع الأحداث المتقاطع مع حوارات عميقة، شهية طرح تساؤلات جديدة عن مصائر الشخصيات، التي سرعان ما تحوّلت إلى نفوس ناطقة بأزمات، تبدو للوهلة الأولى عادية لكنها تفوق مرارة شكلها الظاهري.
 
تسعى الرواية لإظهار جانب الحياد لإشكالية الجسد والعمل، إذ أدّت الكاتبة دور المتفرّج الذي يسنح بمتّسع لا متناه لحرية الشخوص من دون مُساءلة قبلية أو بعدية، من شأنها أن تفسح في المجال للأحكام المسبقة التي يزخر بها واقع المجتمع السردي.
من جهة أخرى، أوضح العمل الروائي جانباً خفياً من قراءة فاتحة مرشيد، إذ سُجّلت في أولى الصفحات مقولة لسقراط، فعّلت مع تسارع أحداث ماهوية الشقّ الفلسفي للعمل، فضلاً عن إشارة طفيفة لكنديرا الراوي، هذا الذي ينكر أيّ عقيدة تربطه بأيديولوجية معيّنة إلّا كونه روائياً، كما لو أنه يسقط كلّ هوية من شأنها أن تتلف انتسابه للأدب والسرد.
 
كيف تتشكل الديستوبيا؟
تُعدِّد الروايةُ من منطلقات المدينة السوداء. ذلك العالم الشرير الذي يزخر بالألم، حيث يكون المقهى فوهة الجحيم التي تقحم البطل مع مجموعة من الفرضيات المتشائمة، بين البطالة فينة والمحيط اللا أخلاقي فينة أخرى، بشكل يسمح بتلاقح تجارب التملّق السافر والفقر المعبَأ بكدمات الأزمات النفسية. أما الحانة فقد تحوّلت من فضاء للترفيه عن النفس إلى غرفة مشحونة بالهرب من واقع مفجع، يحتّم على إدريس الرسّام إعادة تشكيل صورة بلقيس كلّ ليلة ليعيد الحكاية بصورة أخرى، بينما يحتضن عنف عزيز بعدما تجاهلته ليلى إبان تسرّب شحنات الحبّ بينهما.
 
هي في الحقيقة ليست ديستوبيا ثابتة بل متنقّلة؛ تتغير مع كلّ مكان وزمان سردي، بقدرة تجعلها مرنة لا من حيث الحوارات التي توثّق حالة الشخوص أو الصور النمطية التي تعيد قراءتها مرّة أخرى فاتحة مرشيد، راصدة بذلك مسافة نقدية واسعة بينها وبين الشخصيات التي بدت عبر منحى الرواية قابلة، لأبعد حدّ، مصائرها بل متعايشة معها.

الحب فرار والبعد قرار!
أكّدت الأحداث صحّة القولة، إذ يتسم خيار ليلى بالابتعاد عن عزيز وإيهامه بعشيق جديد، نوعاً من جلد الذات، يربط ليلى بماضيها مع مغتصبها الأول ويؤرّخ لعلاقتها الطويلة الأمد مع التشاؤم من روابط الحب والعلاقات الغرامية، لا فقط مخافة خسارة تموقعها الاجتماعي داخل عالمها البرجوازي بل أيضاً تحسباً لإدمان الآخر والدخول في متلازمة "لن أعيش من دونك". لتتهرّب من هذا وذاك، معلنة العيش مع الجميع ومن دون الجميع في آن واحد.
 
لم يسلم الحب العفيف، إن صحّ التعبير، بين أمين وليلى من فظاعة مشهد النهاية. ختام لم تبقَ منه إلّا رسالة تعيين أمين مصحوبة بتوصية ليلى المسافرة إلى كندا، منسحبة بذلك من حياته دون ذكرى ودون أثر يُحسب، بعدما كانت تغيّر في كلّ مرة غرفة الفندق مخافة صنع الذكريات التي صارت تغسل آمالها بعد فقدان ابنها غرقاً.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم