الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جبور الدويهي وضفاف المرداشيّة

المصدر: النهار
الراحل جبور الدويهي.
الراحل جبور الدويهي.
A+ A-

شارلوت الدويهي

في رثاء الدكتور جبور الدويهي، استوقفني وصفه بـ"الروائي الثائر"، فعادت بي الذاكرة إلى سنة 2005 في انطلاقة ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال. حينها، كنّا نتغيّب عن مقاعد الدراسة في الجامعة اليسوعية للمشاركة في المظاهرات التي كانت تبلغ أوجّها أيام الإثنين
.

كنت قد انطقلت من بلدتي زغرتا للسكن في بيروت، بهدف التحصيل العلميّ. لذلك، حين التقيت صدفةَ بجبور في إحدى ساحات الاعتصام،  ذعرت خوفاً أن ينقل الخبر لوالدي فيظن الأخير أنني أشكو اهمالاً أو تقصيراً في دراستي. غير أنّ جبور، حين استدرك قلقي، اقترب مني مطمئِناً لا بل حثّني على المثابرة في المشاركة. وما هي إلّا أيام قليلة عدت والتقيت به مجدداً، متّشحاً بالأحمر والأبيض، لكنه هذه المرة كان مصطحباً والدي.

أسلوب جبور روائي بحت، نجح بجذب القارئ من خلال تصوير واقع الحياة اللبنانية فجمع بين دراماتيكية الأحداث و"الخفة" في استعراضها.

ملفتة أيضًا علاقة جبور بالأماكن. ففي كواليس إحدى رواياته، كان يتردد يومياً إلى مقهى على ضفاف نهر المرداشية، يجلس قرب النهر مقابل الطاحون  أمام "المطعم والغرفتين" ويغوص ساعات في الكتابة. لا تلبث أن تقاطعه جدتي، سيدة المقهى العجوز متطفلة، بحجة الاطمئنان على صحة الست ماريّا "أم جبور". يرتشف قهوتها ويستمع بتأنّ لما بقي في ذاكرتها من حكايات طبعت المكان. فكان، كما "المزارع"، ينثر هنا ويحصد هناك ليَحبك حكاياته.

لملم جبور أوراقه وغادر، وبقيت "ريّا النهر" التي نشرها عام 1998 توثيقاً لأحداث إجتماعية رمزية لا تخلو من البعد السياسي، نفض من خلالها الغبار عن ماضي زغرتا فأعاده من جديد مثقلاً بأسلوب مشوّق ومُطَعَّماً بشخصيات طريفة، فغدا مطعم ريّا مكاناً صغيراً يختصر في داخله هموم وطنٍ وجمالياته ويعكس حاله في وجه التحولات التي ألمت به.

وجاء الإهداء لأخيه، لأنّ مطعم ريّا يحتل مكانة خاصة في قلب سمير.

لمّا كانت مسارح الأحداث "تؤول على أنّها كنايات عن لبنان"، كانت الشخصيات في روايات جبور، وفي ريّا النهر تحديداً، طريفة وغنية بالتفاصيل. أحبها جبور وتعاطف معها فهي ليست تماماً من نسج الخيال بل مُلهَمة من الواقع الزغرتاوي وفي كلٍّ منها شيء من ذاته. مالكة المطعم ريّا والرسام موسى ومعهما سلوى ورامي وروميو ولور ومحمود وأبو سليمان… جميعهم شخصيات بناها جبور ما زالت قابعة في أذهان الزغرتاويين ولو بأسماء مختلفة. تبع جبور النهج نفسه في مختلف أعماله غير أن "أهمّ شخصية بناها هي شخصية جبور الدويهي نفسه".

نعس جبور. وعدنا في رقاده أن نكمل العبور مع ريّا وإليا ونظام وزكريا… ونحو لبنان أكثر إشراقاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم