الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"كورونا زهرة ربيعية" لفارس خشّان: بؤرة تفشّي الحريّة

المصدر: "النهار"
"كورونا زهرة ربيعية" (تعبيرية).
"كورونا زهرة ربيعية" (تعبيرية).
A+ A-
 
كتب: نبيل مملوك


لطالما كانت الدعوة الى الالتزام بالأدب وتعويم الأدب الملتزم من خلال نصوص ومقالات عدّة، لكتّاب حملوا ثقل قضاياهم وناضلوا، ومن اشكال هذه الدعوات قول نزار قباني في إحدى قصائده في مجموعة "تزوجتك ايتها الحرية": "نحن نكتب من أجل الإنسان"، وقلما نجد من يكتب من اجل الاخرين أو من يفكّر بالآخرين ليكتب، لكن القاعدة كسرت مع رواية "كورونا زهرة ربيعية"،  للكاتب فارس خشان، والتي نشرت تباعًا في "النهار العربي"، على شكل حلقات حيث كان للواقع صوت صاخب وللصورة واللون والحوار أدوار ملفتة.
 
كنا قد تحدثنا في مقال سابق في "النهار" عن الحلقات الخمس الأولى من رواية "كورونا زهرة ربيعية"، حيث كانت هذه الحلقات بمثابة ترسيم للشخصيتين الأساسيتين كمال وكلارا، إضافة الى تحديد أصدقاء السرد المتبع من خشان... امّا إذا اردنا الحديث عن الرواية ككل، فهي تتميز بتنصل تقريبي للكاتب من التخلخل الزمني، بخاصة أنّه بدا حريصًا على التسلسل الزمني ومعاصرة كل الأحداث التي ألمت بالعالم ولبنان وفرنسا خصوصًا بدءًا من 17 تشرين وكورونا، ووصولاً الى انفجار مرفأ بيروت.
 
في الحلقات التي تلت الحلقة الخامسة بدأ خشّان يستفز المتلقي بأبراز ضعف كمال ، الستيني المستسلم عاطفيًا المرتبك المضطرب القلق من التيه، والصارم الحاسم في السياسة وابداء مواقفه وتعاطيه مع المضايقات العنصرية غير الاخلاقية التخوينية، مما مهد الى كسر النمطية بابراز المرأة "كلارا" الحديدية رغم عاطفتها وحنينها، المنكفئة بقلقها نحو داخلها، المالكة للقدرة على التصرف وايجاد الحلول وقد تعمد الكاتب ابراز هذه المعادلة المضادة لما قرأناه مسبقًا ليقول لنا بأنّ كمال يحاول رد اعتباره العاطفيّ بمواجهة اخصامه السياسيين بخشونة ولامبالاة وقلق ضئيل...
 
وفي جو الشخصيات، فإنّ تنقل الكاتب من ضفة زمنية الى ضفة أخرى لم ينسِه إبراز الواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون من فقر وشح في الدولار وغلاء الاسعار، وترجم ذلك في عدة حلقات وبصوت خافت، سرعان ما انفجر صاخبًا في الحلقة التاسعة الحلقة الحادة الانتحارية التي هاجمت إيران مجددًا وتعرضت لوجع الناس وثورتم بوجه فكري يضعنا أمام مقال رأي واضح.

أمّا داخل الرواية، فقد حرص خشان على عدم ترك السرد وحيدًا، فأكثَرَ من الحوار ومهد للعقدة التي تمثلت بزج كلارا في المقالات الموجّهة ضده ودخول سيسسيل وأحمد المعلم مجددًا على خط المساعدة، مما زاد من الرومانسية، حيث تمسّك كمال بشتاته وانتشى به كلما شعر بأن حضن كلارا موطنه، إضافة الى تعويم الاسلوب الحواري بجمالية ضخّ المعلومات والافكار ونبذات متبادلة بين كمال وكلارا عن الكتب كـ"الأمير"، ورسائل فرويد واينشتاين وغيرها لتكون رسالته واضحة "لا تتكاسل وتمتنع عن القراءة" اي أنّ ضخّ المعلومات كان محفزًا ثقافيًا.
 
رغم سخونة الأحداث السياسية، لم تغب عدسة الكاتب السردية التي جعلته مراسلاً ميدانيًا ينقل لنا وقائع كورونا في باريس ولبنان، وانعكاسها السريع وتكاثر الظواهر من العنف الممارس تجاه سيسيل وغيرها، من إهمال الدولة اللبنانية، من الايعاز غير مباشر بالتزام الحجر عبر ذكر حوادث نقل جيران كلارا الى المستشفى ووفاة احدهم وغيرها... لتبقى عقدة كارلوس حاضرة كتأكيد على عدم تحررنا من الطبقية.

اتت النهاية مفاجئة، وحضّت القارئ على اعادة النظر بشخصية كمال الذي يمثّل الوطن الداخل في غيبوبة بعد انفجار المرفأ، والمستيقظ والمضطرب نتيجة كل ما حمله السرد بدءًا من الرواية حتى نهايتها...
 
باختصار كورونا ازهرت أملاً باستمرارية الحب، أملاً بتغيير واقع الوطن... أملاً بربيع كوني يكسر قول محمود درويش، حين نعى الإرادة قائلاً: "أكبر تنازل يقدّمه الإنسان هو التأقلم".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم