الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"فلاديمير جانكلفيتش محاكمة أخلاقيّة في هديٍ جماليّ" لمارلين يونس: اللااكتمال أو السقوط

المصدر: "النهار"
"فلاديمير جانكلفيتش محاكمة أخلاقيّة في هديٍ جماليّ".
"فلاديمير جانكلفيتش محاكمة أخلاقيّة في هديٍ جماليّ".
A+ A-
كتبت كاتيا نادر – باحثة لبنانيّة في الفلسفة والعلوم السّياسيّة والاجتماعيّة
 
صدر حديثاً عن مركز دراسات الوحدة العربيّة كتاب "فلاديمير جانكلفيتش، محاكمة أخلاقيّة في هديٍ جماليّ" للدكتورة مارلين يونس، أستاذة فلسفة الجماليّات والفلسفة العقلانيّة الغربيّة الحديثة في الجامعة اللّبنانيّة. 
 
"الأعمال الجماليّة تترك أثراً في النّفس كأثر الخير والشّرّ... والجمال هو الخير الّذي يتجاوز الماهيّة... وبما أنّ الفلسفة هي وعي العلوم، فالانسان لا يكون واعياً إلّا بالأخلاق، والأخلاق لا تكون واعية إلّا بالجمال، أي بالموسيقى". هذا ما أشارت إليه الكاتبة في مقدّمة كتابها ، موضحةً أنّ الهدف الّذي رنت إليه من هذه الدّراسة هو "تصالح الجوانب الحسّيّة والأخلاقيّة للطّبيعة البشريّة، وما أحوجنا إلى توطيد أواصر الجمال مع الأخلاق في وطننا العربيّ". والسّؤال الّذي يمكننا أن نطرحه، هل يمكننا تأسيس فلسفيّة أخلاقيّة بناءً على تصوّر جانكلفيتش الجماليّ في زمنٍ يسخر فيه الانسان من الأخلاق؟ 
 
إنّ كتاباً في الفلسفة قد تصعب قراءته وتتعذّر الاحاطة بمحتواه لفهمه. لكنّ في هذا الكتاب حرفيّة مؤلّفة موسيقيّة تنساب أفكارها في جرْسٍ متناغم، ونسقٍ منظّم، ودقّة في استخدام المصطلحات (إمكان الاستحالة، ائتلاف الفضيلة والنّجاح، ازدواج استقرائي، أنتيليشيا، أونطيقيّة، تضايف، هابيتوس، سرينادا، عقل تسويفي، فلسفة متغوّرة، نشوة الذّاتيّة الترنسندنتاليّة، وغيرها...). هذا وتميّزت الكاتبة باعتماد الجمل القصيرة على خلاف التّقليد المعتمد في النّصوص الفلسفيّة.
 
بالرّغم من قوّة العناوين وصعوبة المفردات، إلّا أنّ المعاني سرعان ما تتكشّف لنا، وذلك لإبقاء القارئ مشدوداً بسلاسة إلى فلك المحاكمة المفترضة، رغم صعوبة فهم المقاربة بين الجمال والأخلاق ومحاولة إسقاطهما على الواقع الاجتماعي. لقد أتت محاكمة الكاتبة لجانكلفيتش دقيقة التّنظيم في التّبويب والتّقسيم والتّسلسل المنطقي من الجليّ إلى الأكثر غموضاً، ومن الرّمزيّ إلى الأكثر واقعيّة، في لغةٍ أنيقةٍ، وفي موضوعيّة لا تخلو من حضورٍ قويّ لتقويم مسار المحاكمة وتحليل المعطيات وتأويل المفاهيم متى تداخلت فيها التّناقضات الّتي نستشفّها في فلسفة فلاديمير جانكلفيتش، مفتتحةً وخاتمةً كتابها بطريقة مباشرة وهادفة.
 
حاولت الكاتبة الإحاطة بالمقولات الأساسيّة في فلسفة جانكلفيتش الّتي تدور في رحاب الألوهيّة وتؤسّس لميتافيزيقيا الحبّ، في دعوةٍ إلى القداسة، وهو الفيلسوف الّذي يفتّش عن حلّ للمشكلة الفلسفيّة في السّيكولوجيا. وأتساءل، ما هي الدّوافع الّتي جعلت الكاتبة تقتصد في تقديمها لمادّة بهذه الغزارة الفكريّة؟ هل أرادت من خلال هذا التّدبير إشراك القارئ في عمليّة التّأويل واستنتاج المعنى؟ 
 
(الدكتورة مارلين يونس). 
 
منهج تحليلي – تأويلي متقن
 
يتبوّأ هذا الكتاب مكانةً فريدة بين مصافّ الكتب الفلسفيّة نظراً لفرادة الموضوع وأهمّيّته، والسّبب في ذلك يعود إلى "ارتباط رمزيّة القيم الجماليّة بالأحكام المتعلّقة بالقيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة"، وقد قسّمته الكاتبة استناداً إلى ثلاثة عناوين جاءت في ثلاثة أقسام يندرج تحت كلّ منها فصلان، بالإضافة إلى المقدّمة والخاتمة. أطلقت الكاتبة في مقدّمة الكتاب تحدّياً إذ أنّ ربط الجمال بالأخلاق يصبح مربكاً للعقل. لهذا وقع اختيارها على فلسفة فلاديمير جانكلفيتش حيث يغوص الحبّ والأخلاق أحدهما في الآخر، في محاولةٍ حثيثةٍ من الإنسان لأن يكون أخلاقيّاً، لكنّ حرّيّته تدفعه إلى ممارسة العنف والشّرّ والكذب والشّغف والتّعصّب، فيلجأ هذا الفيلسوف إلى الفنّ والموسيقى الّتي "تستجيب إلى فرادة الحياة وإلى طموح الكينونة"، رغم وجود التّناقض المحيّر والمثير للسّخرية بين قوّة الموسيقى ووضوح الجمال الموسيقي، مستلهمةً في دراستها آراء الفلاسفة المؤثّرين في فلسفة جانكلفيتش أمثال أرسطو وأفلوطين ويوحنّا الصّليبي وكومياكوف وبردييف ونوفاليس وكونفوشيوس ولفيناس وشوبنهاور وبرغسون وغيرهم.
 
حاولت الكاتبة الاجابة عن عددٍ من التّساؤلات حول كيفيّة التّقابل بين النّقائض، والآليّة الّتي تفضي بالصّراعات إلى التّطوّر، وامكانيّة أن تكون الحرّيّة والإرادة مدخلاً إلى جماليّة السّماع. كما طرحت مفهوم السّلب والايجاب. هذا وعالجت مسألة قلق الانسان من الفلسفة ومسألة الوعي وتحرّره من الألم. كما أشارت للدّور الّذي تلعبه الموسيقى في تسامي الوجود، مبيّنةً نقاط الاخفاق عند جانكلفيتش وخطر انزلاق الفنّ في الثّقافة الاستهلاكيّة.
 
لتحقيق غايتها، اعتمدت الكاتبة في معالجتها لفلسفة جانكلفيتش على المنهج التّحليلي والمنهج التّأويلي لتفكيك ولشرح المسبّبات، وسوق آراء فلاسفة الأخلاق للكشف عن تلاقي طروحاتهم واختلافها مع طرح جانكلفيتش، في محاولةً منها ليس لفهم الدّلالات المتناقضة فحسب، بل للانخراط في صلب هذه الفلسفة الرّمزيّة انطلاقاً من معانٍ إضافيّة لها القدرة على التّدليل والإحالة إلى قيم دلاليّة ممكنة تثير فينا أسئلة تدفعنا باستمرار إلى رحلة البحث عن الحقيقة، وإلى إجلاء الحقائق بصورة أكثر منطقيّة، ما اقتضى استحضار السّيرورة التّاريخيّة والقيم الثّقافيّة، واستخدام المصطلحات الفلسفيّة في صيغٍ مبتكرة نستشعر من خلالها جماليّات نستجلي معانيها انطلاقاً من المبنى، ما يعيد بناء أفق الاستشراف لدينا.
 
بنية المسارات الأساسيّة عند فلاديمير جانكلفيتش
 
يُظهر القسم الأوّل من الكتاب، والّذي يعتبر مقتضباً بالنّسبة للقسمين الباقيين، رؤية جانكلفيتش ورؤياه للموسيقى كتجسيدٍ لمختلف أنماط الحياة الانسانيّة، ما يجعل الفلسفة المربكة للعقل حاضنة للموسيقى، وذلك في محاولةٍ منه لدمج المقدّس بالأخلاق، مركز الوعي الإنساني، والّتي تتجلّى بالجمال، أي بالموسيقى النّابعة من الذّات في تواصلٍ مع الذّوات الأخرى، متجاوزةً حدود الزّمان والمكان.
 
من هنا، تتحدّد مسؤوليّة الانسان الأخلاقيّة عن جمال العالم، والفنّيّة عن أخلاقيّة هذا العالم، في خاصّيّة الصّيرورة الدّائمة، بهدف تحرير الانسان والارتقاء به إلى الحبّ، أي إلى فعل الخير وتجاوز الذّات كما الواقع، عبر صراع التّناقضات الّذي نتلمّسه من حركة الموسيقى. فحرّيّة الجمال لا تختلف عن حرّيّة الوجود.
 
كذلك يجعل جانكلفيتش من الموسيقى وسيلةً لمعرفة الوجود وعلاقته بالذّات الإنسانيّة واستمراريّته من بعدها، تلك الذّات الّتي تحيا في انتظارٍ دائم واستذكارٍ وترقّب. فوعي الإنسان "يعزف على إيقاعٍ تفوق سرعته سرعة الزّمن البيولوجي"، في مواجهة الصّعوبات قبل العودة إلى الذّات، للاعتراف بالاستطاعة، بدافع الحبّ وليس بدافع الواجب، مبتدعاً كوجيتو أوّل "أنا أحبّ، إذاً أنا موجود". من هنا يظهر تمايز جانكلفيتش عن مفكّري الأخلاق وخاصّةً كانط في رفضه مبدأ الالزام عاكساً المفهوم السّائد في كوجتو ثانٍ له مفاده "أستطيع إذاً يجب عليّ.
 
"بالحبّ لا نعقُل، وبالعقل لا نحبّ"، "العالم مستقرّ للمتناقضات والانسان هو وليد جدليّةٍ متناقضة... يعطي الانسان ممّا لا يملك، وكلّما أعطينا أكثر كلّما ملكنا أكثر، لأنّ العطاء يكثر ويتكاثر بفعل العطاء، وعندها تغدو الخسارة ربحاً والرّبح خسارة". "الماضي يحتاج إلينا على عكس الحاضر والمستقبل. وهذا الماضي يحضر من خلال الذّكرى، وهذه الذّكرى هي من مهامّ الذّاكرة الّتي عليها أن تحيي عدالة الأموات أمام ذنوب الأحياء. وعندما نلغي العقاب فهذا يعني أنّنا نناقض الأخلاق باسم الأخلاق".
 
الرّؤية الفلسفيّة والتّأصيل الجمالي للأخلاق
أمّا الكوجيتو الثّالث لجانكلفيتش "أنا أشعر، إذاً أنا موجود"، فيظهر في القسم الثّاني من الكتاب، حيث تطرح الكاتبة الإنسان في سؤال الفلسفة ضمن إشكاليّة الأخلاق كمشكلة وجوديّة وارتباطها بالوعي وعقل الجمال له؛ لا تؤيّد ولا تنفي، بل تترك للقارئ حرّيّة الانسياق إلى حيث ترسو قناعته، مفردةً في فصول هذا القسم قلق الإنسان من الفلسفة الّتي أوكل إليها جانكلفيتش مهمّة أخلاقيّة وجماليّة تمتدّ لما وراء الحقيقة، تقترن تارةً بالكذب - وله رأي خاصّ ومميّز فيه - وطوراً بالحرّيّة غير المقيّدة. 
 
إشكاليّة كهذه من شأنها أن تضع الإنسان الأخلاقي في بحثٍ عن هويّته الأخلاقيّة، وعن دوره كضمير وإرادة حرّة في علاقته مع الآخر، وعن حقوقه وواجباته تحت مظلّة الغيريّة لتحقيق العدالة والمساواة، في نسقٍ مطلق يطمح للحدّ الأقصى من الحبّ والتّضحية، حيث تتموضع الأنا في الصّمت لسماع صوتٍ آتٍ من عالم آخر، فيتجلّى الإنسان "النّوستالجي" و"الرّابسودي" و"الانطباعي" في وعيٍ أخلاقيٍّ مبدعٍ حرّ ولكن متألّم، مع أنّ جانكلفيتش يُقيم اعتباراً عالياً للرّغبة والسّعادة. هنا يظهر الصّراع العقلي عنده بين صور الماضي وأحزان العالم وبين الصّور الّتي يرسمها العقل ليتخطّى هذه الآلام؛ بين الوعي الّذي تحدّث عنه الكتاب في القسم الأوّل وبين اللّاوعي الّذي ننتقل إليه بواسطة الموسيقى؛ كذلك بين إدراك الوجود وبين محاولة الولوج إلى مملكة المطلق. 
 
"الوعي هو ذاكرة تحفظ صور الماضي في قلب الحاضر الّذي هو المستقبل المسبوق... الوعي هو الفكر والفعل والذّكاء... وهو سخرية... وهو الشّكّ".
 
 
التّأويل الاستطيقي للأخلاق من خلال جماليّة الموسيقى
 
لأنّ الموسيقى هي اللّغة الوحيدة المشتركة بين الشّعوب، ولأنّ لها تأثيراً في الجهاز العصبي وتهذيب النّفس وحلّ المشاكل، وفيها قوّة علاجيّة، ولأسبابٍ أخرى كثيرة... فهي جميلة، وقد تتعرّض للتّشوّه بما أنّ الإنسان كائن اجتماعيّ. لذلك يدعوه جانكلفيتش، في القسم الثّالث من هذا الكتاب، للتّحرّر من أيّ نمطٍ يفرضه عليه المجتمع، وللانفتاح التّسامحي على الوجود، لأنّ الموسيقى تحاكي المجد السّاكن فيها، وقد نحيا من دونها إنّما حياةً ناقصة. لكنّ الموسيقى لا تتخطّى المقاييس كما تتخطّى الحدود، ولا توجد دون تناغم، فهل تقدّم موسيقى جانكلفيتش إلى الأخلاق والمجتمع والسّياسة شيئاً إذا كانت الأخلاق أحياناً مزعجة وأحياناً ملزِمة وتولّد حدوداً جديدة عند كلّ متغيّر؟
 
تتساءل الكاتبة في كتابها عن الخير الّذي قدّمته رسالة جانكلفيتش الأخلاقيّة والجماليّة للمجتمع والإنسانيّة، باعتبار "الموسيقى هي أكبر من حقيقتها وأكبر من ظروف الحياة"، منطلقةً من كيفيّات الانفتاح الأخلاقيّ على الكون عبر الموسيقى. فما هي المهمّة الّتي حمّلها جانكلفيتش للفنّ وبخاصّةً للموسيقى إذا كان واقعاً في حيرة المنطق الفنّيّ المتطرّف في تناوله الشّكل الحرّ للجمال الّذي لم يتعلّق بموضوع ولا بتاريخ ولا بحدود، ويغيب عنده الحقّ للأنا وإلزاميّة الواجب؟ وهنا عرضت الكاتبة كيف أغنت الموسيقى خارج جانكلفيتش ظروف الحياة الّتي ذخرت بعزف التّاريخ بموسيقى العظماء الّتي اجتاحت كلّ المياين كمعجزة مصدّرةً كلّ الانفعالات الإنسانيّة، ذلك أنّ الفنّ الجيّد يولّد التّقدّم ويكون مؤتمناً على فعل الأخلاق. "أوَ ليست الأنَسيّة في الملحمة الموسيقيّة هي وطننا الطّامح نحو الفعل الأخلاقي المجسّد لوعي العالم ووعي الذّات؟".
 
قد يخيّل إلينا للوهلة الأولى أنّ جانكلفيتش حالم، لكنّ خياله المحلّق في لامحدوديّة العالم والمتفلّت من قيود العقل، والغارق في عمق المشاعر الإنسانيّة والحدس والسّخرية، يصطدم في عبثيّة واقع أنّ الموسيقى، الّتي هي أكثر الفنون تحرّراً من المادّة وأقربها إلى التّعبير عن المشاعر الإنسانيّة، كثيراً ما أُسيء استخدامها لخدمة قوىً شرّيرة. رغم إيمانه بقدرة الموسيقى على اجتراح العجائب، إلّا أنّه يتعسّر السّماح لأنّه ينتمي إلى عالمٍ مختلفٍ عن عالمنا، لا يحلّه الوقت ولا يقتصر على النّسيان. فيشبّه الصّفح بالأعجوبة لأنّه هبة تتطلّب الكلام، والكلام غير جائز مع الأموات. لذلك نجده يحيي الماضي ويستلهم الذّكرى لإحياء عدالة الأموات أمام ذنوب الأحياء الإجراميّة الإلغائيّة في حقّ الإنسانيّة، ويفتح الباب على تناقضات فلسفته، ويهبط بنا من رحلة الجمال المطلق إلى وجع عالمنا الّذي أصبح يتطلّب فعليّاً أعجوبة للتّغيّر وأعجوبةً للنّسيان وأعجوبةً للصّفح وهلمّ جرّا. هذا ما عنته الكاتبة عندما قالت في خاتمة كتابها أنّه "ما من شيءٍ نهائيّ أو أوّليّ عند جانكلفيتش".
 
خلاصة 
إنّ هذا الكتاب يستحقّ القراءة، ليس من قبل عشّاق الفلسفة فحسب، بل من قبل كلّ من يهوى القراءة ويتذوّق الموسيقى ويميّز الجمال ويسعى لتوسيع آفاق فكره. لقد طرحت الكاتبة أسئلةً كثيرةً في كتابها، منها ما استدعى إجابات، ومنها أسئلة عارفٍ يستقيها كلّ واحدٍ منّا بحسب انتمائه الفكريّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ. كذلك أثارت مشكلة آنيّة يرزح تحتها لبنان، وهي قضيّة العفو العام وتجاذبها بين مؤيّدٍ ورافض، يشكّل جانكلفيتش فيها مثالاً لأحد طرفَيّ النّزاع، بينما تشكّل قيمة الصّفح المتحرّرة من قيود العقل والآتية من نداء الحبّ الطّرف الآخر.


إذاً، قدّمت مارلين يونس في هذا الكتاب "الميتاموسيقى" مفهوماً جديداً للميتافيزيقيا،"قد تكون الموسيقى تمهيداً للفلسفة، كما قد تكون الفلسفة موسيقى". فكتابٌ بهذا الغنى الفكري يعتبر مرجعاً فريداً في الطّرح وفي معالجة الموضوع وفي الرّسالة المرجوّة؛ فقد فتحت الكاتبة آفاقاً واسعة تستدعي الوقوف عندها للتّفكير ولإعادة النّظر في مآلات حياتنا، خاصّةً في مجتمعنا التّعدّدي وحاجتنا الملحّة للإنسانيّة الّتي، وإن كنّا نستقي أسسها من مراجع مختلفة، إلّا أنّنا قد نتمكّن من توحيد إنسانيّتنا تحت رسالةٍ شاملة نفهم لغتها جميعنا، وحدها الموسيقى تستطيع إيصالها. 
 
لقد قدّمت لنا الكاتبة، في ندائها الواضح والمباشر للوحدة الاجتماعيّة بين البشر، مفتاحاً ذهبياً يشرّع الأبواب الموصدة في قلوبنا وأذهاننا، ألا وهو "مراعاة الذّوق الجماليّ كمظهرٍ من مظاهر الحضارة" باعتماده في التّربية كمنهجٍ لصياغة صورة المجتمع. 
 
"... الانسان تاريخ في قلب تاريخ متغيّر ينتقل بين الطّبع والتّنشئة في اتّحاد الجمال والأخلاق". 
ليست من كلماتٍ تفي هذا الإنتاج حقّه، لكونه طرحاً في استمراريّة، أكثر صدقاً من تلك الّتي أوردتها الكاتبة في خاتمة كتابها عندما قالت: "من آداب الرّحلة أن يكون لصاحبها مستقَرّ بعد التّطواف... لا يمكننا أن ننتهي من التّحليل في هذا الكتاب ما دام في متناول لانهائيّة الإنسان. ولن يكتمل لأنّه متى اكتمل سقط". 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم