كتب يوسف طراد
ابتهجت الحياة، حين أسدل الأحبّاء أشرعتها، فأبحرت في يم بحر أريج السماء، لتجد مشاعرَ متدفّقة من ديوان "صدى الروح"، لميشلين مبارك الصادر عن "دار نلسن".
انطلقنا إلى رشميا، الزوّادة صخب حنين وضجيج ذكريات. اصطحبتنا مبارك معها إلى حيث ترقد الأحلام في مروج الطفولة. قرأناها قصيدة تنحني مع الريح ولا تنكسر، تراقص النور وسط الهواء، منجذبة "برغبة أمل" إلى عشق القبلات، حيث طاب لها السكن في عنق زجاجة عطر الغرام.
"قارئة الرؤى" سافرت في بحر النور، كان قاربها عيون السفر، نثرت الحبّ في نبضها ليسمعه الشجر عندما ينصت للخافق في "دوامة الفكر". ملَكَت القلوب بشعرها، ونسيت قلبها على عتبة قصيدة ملتهبة بنارٍ وقودها الضباب. "بين حلم ويقظة" وقفت على عتبات الحبّ المشوّقة، ترتشف الغياب بفنجان اختلط فيه شوق القبل برائحة القهوة والهال.
تغيّرت المدن، سكنها الشعر حزينًا، بعد أن غنّت سفيرتنا إلى النجوم "إن ما سهرنا ببيروت بنسهر بالشام"، وها قد أرسلت صاحبة الديوان "قُبل المطر" مع غيمة زاجلة عبرت فضاء بيروت إلى سماء دمشق، حاملة رسائل الشتاء. وانهمرت دموعها فرحًا تزامنًا مع خفقان نبضٍ نَزَفَ الوعود في "حنجرة الرياح"، ورقصت رقصة الخوف من وعدٍ هاربٍ على "مسرح خريف العمر".
"عاصفة الأشعار" ريحها دون مطر، لأنها تنتظر أن تفوح رائحة القلوب مع صدى التنهيد، ليعلم الجميع أنها تلتهب، فالغيرة "عطر قصيدة" ألبستها لعري الورق، قد جعلت الحروف تقبًل المعاني، قبل هروبها من بياض الدفاتر إلى إعصار الأحاسيس وحزن الدساتر. تراقصت القبل على الشفاه، تحت "شمس حارقة" فتوهّج شرود الأعين وتضاعف بريق النظرات، وحده الحبّ تعرّى تائهًا في معبدٍ أعمدته الشفاه. شاعرة حملت الألم وأشعلته بدفء قبلات الشتاء، فكان رماده "دموع الابتسامات" منثورًا "في سماء هواه".
رحلت الأرصفة مع الذكريات "رحلة الدهشة" دون سؤال، فكان اللقاء دموعًا في مطارح تعانق الحواس. عندما نقرا نستمع "لوشوشات الريح" الساكنة في راحة اليدين، فتجعلها السعادة زوبعة في فنجان. ارتدى الرحيل شجون البشر، ونزل بحذر إلى بحر الدموع، فوجد الحقد يناجي إله الحبّ، والريح عاصفةً والشراع ممزقًا والقبل نائمة في سرير الحيرة، تنتظر الشغف الضائع كسفينة "أضاعت ميناءها".
رحل الجبل مع ضحكات الحفافي للفلّاحين، التي اختنقت من رائحة "المياه الحمراء"، في منزل جدّة زرعت قبلات للأرض في الفضاء ، لكنّها لم تجنِ الإنتماء. أيتها الشاعرة، اختفينا كالرماد في الهواء، ودخلنا حربًا غير متكافئة، كتمايل لهبة الشّمعة في وجه الشمس الغاضبة. رحلت براءة الطفولة مع الطرقات، طُمرت الينابيع وفُخخت خطوات العودة، بقيت المعابد دون شبابيك تُقاسم زجاج بيروت الحزن واللوعة، فقد أصبحنا: "شتاءٌ بلا مطر/ بصرٌ دون ألوان/ موتٌ بلا أكفان".
هل تعلمون أين ينبت الحزن، "على أرصفة الحنين" أم على "عتبة الباب"؟، فقد اقتاتت المؤامرة من دروب قرى "مروية بالشهادة" واندثر حلم القبلة بالعناق على باب الماضي الأليم. كبرت الشاعرة ممتشقة حبل ناقوس، يدّق للحب "بعطلة الصيف" مع إيقاع "جدلية الشعر"، حيث تتعانق الورود مع الشعور لتولد القصيدة. تلك القصيدة المكتوبة بحبر الانتظار في مقهى احترق فضاؤه قبل احتراق اللقاء.
نعم وألف نعم، في إهدن "الغيم يقبّل السماء"، حاملًا أشواق الفضاء للقمم التي تلاقي السحر الهابط من السماء. هو السحر الذي يكتب القصائد "خربشات" على صفحات ثلج الجبال التي لا تنام.
أسْوَدٌ "مطر بيروت"، مذاب فيه الحزن، فقد أصبحت عروسته كئيبة و"المدعوّون نيام"، غافلون عن إخضرار القمح بجانب الإهراء. "من دون كلام" تنادت القبل مع البكاء، فهرب اليراع مع شمعة مضيئة، ونحت طريقًا للريح، فحجّ حبره مع رحيق فكر الكاتبة إلى عيونٍ تنتظر التوبة والغفران.
النصف الآخر ينتظر، لأنّ الأصل انعتق من الذات. "نصفان" أصبحا مرآة، أخبرت أسطورة حبٍّ عن ترويض القلوب، كي لا يبقى العشق جارفًا "كنهر العاصي" فيطغى هديره الصاخب على همس الحبيبة. وتسافر "قصيدة مرتبكة" مع "طيور أيلول"، راحلة في اتجاهٍ واحدٍ دون عودة إلى "صدى أنين الروح".
"ومضات" تسرق الصمت "تائهة" على دروب أحلام معبّدة بالرحيل. تذرف الدمع على طرقات لن تسير عليها في طريق الرجوع، وتسدل "ختامًا" "باب الحزن" وينتهي البوح الجميل.
خرج "صدى الروح" ديوانًا متمردًا من رحمٍ مليئة بالحب والشوق والحنين والألم والمعاناة... نازعًا الأقنعة التي تتراقص بخبث الأقوياء حول عفوية البسطاء الأتقياء، فأظهر عزلة الأمنيات في شرودها بين الصمت والبوح. وأسكن الهمسات الدافئة في طوع الجسد، فكان بناء هيكل الكتاب من عناق قبلات وإيمانٍ وصلاة.
جعلت ميشلين مبارك الرغبات تنتظر في حضنٍ وارف بزهر التفاح وأنفاس البحار، إلى حيث عودة الأطياف مع الظلال لأماكن سئمت الغياب.