رحيل نوال السعداوي: الناشطة المتمرّدة وأمّ النسويات

في تغريدتها الأخيرة على "تويتر" ودّعت نوال السعداوي جمهورها والحركة النسوية العربية، فكتبت أنها انتصرت على كل من الحياة والموت... "لأنني لم أعد أرغب في العيش ولم أعد أخشى الموت". بقيت المناضلة النسوية والناشطة والروائية والطبيبة تكافح حتى أيامها الاخيرة من أجل تحرر المرأة والتغيير الاجتماعي. وبرحيلها تطوى صفحة تاريخية من النضال النسوي طبعتها نوال السعداوي بأفكارها المتحررة وقدرتها على النقد وبنضالها من أجل حقوق المرأة والإنسان في العالم العربي. 
 
رحلت الناشطة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة وصاحبة الكتابات الأكثر تأثيراً عن عمر يناهز 90 عاماً، حفلت بالكثير من التحديات في مواجهة التابوات والعادات الاجتماعية والأعراف والجمود الديني والعقائدي، إلى نتاج فكري وأدبي غني، وتعرضت للكثير من التهديدات في حياتها والقتل، واعتقلت بسبب جرأتها في التعبير ودفاعها عن الحقوق السياسية والجنسية للمرأة وهي مصدر الإلهام للأجيال.
 
لم تستسلم نوال السعداوي للضغوط، وخاضت حروباً فكرية مع الإسلاميين وما حمله أيضاً بعض الليبراليين منذ أن بدأت مسيرتها في شبابها وهي التي واكبت كل التغيرات التي حدثت في مصر والعالم العربي، فكانت في طليعة من قاد النهضة النسوية الفكرية الثانية في مصر وبلاد العرب، وتمكّنت كتاباتها التحرّرية عن الختان والمرأة والدين من إحداث صدمات اجتماعية وكسر محرمات، ما أدى الى اشتباك عنيف مع قوى الاستبداد والظلام في آن. وهي اختبرت قضبان السجن وواجهت دعوى "الحسبة" للتفريق بينها وبين زوجها بتهمة "ازدراء الأديان".
 
واكبت نوال السعداوي الربيع العربي، ولم تيأس، وهي في عمر متقدم، وساهمت في مصر بدعمها الانتفاضة ضد نظام حسني مبارك بولادة نخب من الثوار والثائرات جديدة. ومنذ صدور كتابها "قضايا المرأة والفكر والسياسة"، الذي اصطدمت فيه بالكثير من الأعراف الاجتماعية والثوابت الدينية، وكتاب "قضايا المرأة والمجتمع" الذي حركت فيه المياه الراكدة في الكثير من القضايا النسوية، بدعوتها لاستقلالية المرأة وخروجها للعمل كسبيل وحيد لتحرير النساء من المجتمع الذكوري، تعرضت للكثير من الحملات، ولم تتوقف عن اعتبار الدين والمجتمع يتعمدان تجاهل وإقصاء دور المرأة وتأثيرها في تاريخ الأمة أجمع؛ لكونها امرأة.
رحلت المفكرة والطبيبة والناشطة المتمردة، أمّ النسويات وابنة القيلوبية، صاحبة الكتابات الخطرة،  وكاتبة "المرأة والجنس" و"توأم السلطة والجنس" و"الحاكم بأمر الله" و"مذكراتي في سجن النساء"، وغيرها العشرات من المؤلفات... وهي نثرت بذور تحرر المرأة العربية بكلمات وأفكار لا بد وأن تشرق سنابلها وتنصف معها نوال السعداوي.
 
قيل لنوال السعدواي، "أنت امرأة متوحشة وخطيرة"، فكتبت "أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة". حتى عندما فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس" لم تستسلم، ولا روايتها "امرأة عند نقطة الصفر" و"الوجه العاري للمرأة العربية" ولا حين أودعت السجن ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس أنور السادات عام 1981. فكتبت مذكراتها باستخدام مناشف ورقية وقلم لرسم الحواجب هربته إليها عاملة جنس سجينة.
فعلت نوال السعداوي أشياء لم يجرؤ أحد على القيام بها، لكنها كانت أموراً عادية بالنسبة إليها. هي كانت تؤمن فقط بالحقيقة وبقولها دفاعاً عن حقوق النساء وتحررهن.