الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

غرباء

المصدر: النهار
لوحة "الأم والطفلة" للرسام الفرنسي فيليب غواي.(تعبيرية)
لوحة "الأم والطفلة" للرسام الفرنسي فيليب غواي.(تعبيرية)
A+ A-

ناهدة سعد

 

 رفعت لين رأسها الصغير عن الوسادة ونظرت نحو السماء من خلال الشباك المفتوح. الطقس حار في الغرفة. فلا مكيف ولا كهرباء، وقد تبللت الوسادة والفرشة بحبات العرق التي كانت تنهمر من صدغيها. إنه آب، إنه آب اللهّاب.

"نَفَسي يضيق يوماً بعد يوم، وراضي لا يأتينا بالكهرباء. إنه يبيع ليترات المازوت في السوق السوداء، كما يقولون. قليل الضمير. لماذا يحصلهذا كله؟ لا أحب أن أستفيق من النوم. النوم الذي يأتيني في الصباح ولمدة وجيزة".

"استفيقي يا لين!"، قالت أمها وهي تخاطبها من المطبخ."هيا ساعديني في تهيئة الفطور!".

"لا أريد أن آكل. لكن، هل هناك شيء في البراد نأكله؟".

"أحضرت بعض التوست، فلا خبز في الأفران اليوم!".

"ولكن لماذا؟".

"لأنه لا يوجد مازوت  في الأفران لصنع الخبز".

"لا ماء ولا كهرباء ولا خبز!"، تصرخ لين.

"لا تفكري في هذا، أنت ما زلت صغيرة، نحن نتدبر أمرنا".

تأخذ لين لعبتها الطرية بين يديها وتخاطبها قائلة: "لن أبدّل لك ثيابك اليوم ولا غداً. لن نذهب لزيارة الأصدقاء اليوم ولا أي يوم. أخاف أن يأخذوك مني كما يأخذون كل شيء. أصبحت أخاف أن أحلم حتى لا يأخذوا مني الحلم".

تترقرق العبرات في عيني الأم وهي تسمع كلمات إبنتها البالغة من العمر تسع سنوات. تداري بعض افكارها: لقد سرقوا أحلام الطفولة، مزقوا الآلعاب. أتلفوا المستقبل. وتتمتم في سرّها: ما ذنب هذه الصغيرة لكي تكبر في بلد أصبح سكانه يعيشون في العصر الحجري؟

"لنسافر يا أمي إلى بلد آخر يوجد فيه ماء وكهرباء وخبز!"، تقول لين.

"لا نستطيع يا عزيزتي.رزقنا هنا، وليس هناك بلد آخر يقبل بنا. لقد تخلّى وطننا عنا، فهل نتخلّى نحن عنه أيضاً؟".

"لا وطن لنا يا أمي. الوطن هو الماء والكهرباء والخبز. لقد أصبحنا غرباء".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم