في نقد الرباعيات

محمد موسى صالح- باحث في الأدب العربي من الكويت
 
 في إحدى ليالي السفر، وفي ساعة استراحة أدبية، أتيت على كامل ديوان رباعيات الخيّام بتعريب أحمد الصافي النجفي. وحيث أنّ الرباعيات قد ترجمت إلى العديد من اللغات، فقد خلتُ أنّ للخيام مدرسة فلسفية تتفوّق على أقرانه من الشعراء المخضرمين… أمثال ابن الرومي الذي قيل أنه مزج بين قدرة الروم على التصوّر وقدرة العرب على التصوير، أو ما قاله الصاحب بن عباد: بدأ الشعر بملك (ويقصد امرؤ القيس ) وختم بملك (ويقصد أبو فراس الحمداني).
لكنّي أصبت ببعض خيبة الأمل بعدما أتممتُ قراءة الرباعيات، كيف بلغ الديوان المجد التليد الذي صوّره لنا أدباء الغرب.
أنا لست في مقام الناقد الأدبي المتخصّص، لكني قارئ نهم لنصوص الشعر منذ عودنا على ذلك أساتذة أفاضل في مرحلة الثانوية منذ عقود من الزمن.
يغلب على رباعيات الخيام وصف الخمر وتصوير الأقداح وتجميل شربها ودواعي تحليلها. نَهَج بذلك نهج الدعاة للانغماس في ملذّات الحياة، فكرر ذلك مراراً في أكثر من رباعية فأسهب وأطنب.

وتحدث الخيام عن النهاية الآتية، والعدم المحتوم للإنسان، ناصحاً ان نستغل فترة العمر القصيرة في الشرب والسكر والملذات، معوّلين على رحمة الله وواسع مغفرته.
ومثل هذه الفلسفة في العيش، لا شك تليق حتماً بذوق الغرب وتلتقي مع مزاج أدبه.
وقد وجدتُ أنّ النمطية والتكرار في الوصف والتعابير حتّى خِلتُ أن بعض الرباعيات تستنسخ نفسها من حين لآخر، بعد إجراء شيء من جراحة التعديل والتجميل في الصياغات والكلمات.

وقد نحل الخيّام من بعض شعر المعرّي كقوله - أيّ الخيّام:
كلُّ ذرّات هذه الأَرْضِ كانت
أوجها كالشموع ذات بهاءِ
وهو يشبه قول المعري:
خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الـ
أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقول الخيام:
أختر بدهرك قلّة الرُّفقاءٍ…
واصحب بنيهِ وأنتَ عنهمُ ناءِ
شبيه بقول ابن الرومي:
عدوّك من صديقكِ مستفاد…
فلا تستكثرنّ من الصّحابْ
وفي جانب آخر، نجد شبه اقتباسات لإيليا أبوماضي من بعد ما كتب الخيّام.
وبرأي المتواضع، أن الديوان لا يرقى إلى حجم الثناء والوصف المغالى فيه، بل أني أزعم أن شعر سعدي الشيرازي ومهيار الدليمي (كلاهما من بلاد فارس) أكثر غوراً وأعمق معانٍ وأحقّ، بأن يطبقَ شعرهما الآفاق ترجمة وطابعةً وانتشاراً.