الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

ميشال أونفري لـ"النهار": الضربة القاضية للبنانيين الذين هم ضحية الاستغلال من النافذين

المصدر: "النهار"
ميشال أونفري.
ميشال أونفري.
A+ A-
 
زينة طراد – ترجمة نسرين ناضر
 
تحدّث الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، في مقابلة مع "النهار"، عن الانفجار الدموي الذي هزّ مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، معتبراً أن "هذا الانفجار يُجسّد ما يحدث في لبنان منذ أشهر عدة، من تحلّل للمسؤوليات، وعجز معمَّم، وإهمال شديد. كان يمكن تجنّب هذه الكارثة لو كانت هناك دولة وسلطة وسلسلة من المسؤوليات المحددة. فالمافيا الموجودة في السلطة لا تكترث سوى لمصالحها الضيّقة، وزيادة ثرواتها الشخصية، وسمسراتها، وأعمالها الخاصة. ولا تبالي مطلقاً بالمصلحة العامة والخير العام، ولا بالشعب. إذا لم يكن ما جرى حادثاً، بل فعل متعمّد، وثمة دولٌ عدّة لديها مصلحة في ذلك، تبقى الدولة مسؤولة لأنها تركت في المكان موادّ تسببت بهذا الانفجار. إذا انكشفت في المراحل المقبلة الجهة التي انتفعت من الجريمة، فهذا كافٍ لتكوين فكرة عمّن يقف وراءها. في الوقت الحالي، يبدو أن رفض الرئيس عون للتحقيق الدولي بذريعة أنه يؤدّي إلى تمييع الحقيقة هو بمثابة اعتراف بأن لديه مصلحة أكبر في أن تبقى الحقيقة مجهولة".
 
ورداً على سؤال عن رد فعله إزاء هذه المأساة، قال أونفري: "أحبّ لبنان لأنه كان مختبراً لرفض تكتونية الصفائح التي تُفسّر الآن العلاقات بين الحضارات. كان لبنان نقطة التقاء بين الشرق العربي المسلم والغرب اليهودي المسيحي في إطار تفاعلهما المتبادل على أرضٍ كانت تحتضن جيداً الأديان التوحيدية الثلاثة". أضاف: "عندما علمت بهذه الكارثة، قلت في نفسي: ’لا، كارثة جديدة، يكفيهم ما حلّ بهم...‘. خلال زيارتي الأخيرة إلى لبنان، رأيت عدداً كبيراً من الأشخاص المدمَّرين بسبب الأزمة، ولذلك اعتبرت الانفجار بمثابة الضربة القاضية للبنانيين الذين هم ضحية الازدراء والإذلال والإهمال والاستغلال من النافذين!"
 
سألته عن التفكير في المستقبل حين يبدو وكأن كل شيء يمكن أن ينهار من جديد، فكان جوابه: "ثمة أمرٌ يثير استغرابي كثيراً، وهذا الكلام سيتسبب بنقمة لدى عدد كبير من الأشخاص، ولكن لا يهمّني، فأنا أستغرب حقاً تخلّي المغتربين اللبنانيين في أصقاع الأرض عن بلادهم. لا شك في أن المقارنة ليست حقيقة جازمة، ولكن لو غادر الفرنسيون بلادهم بأعداد كبيرة بعد اجتياحها من النازيين في حزيران 1940، لا شك في أن فرنسا كانت ستبقى تحت الاحتلال النازي. وكانت لتفقد في مختلف الأحوال الحق في السيادة الذاتية. عبقرية الشعب اللبناني وثروته الكبيرة ومواهبه هي بمثابة عطايا تُفيد منها جميع البلدان، ما عدا لبنان! وهذه الملاحظة لا تنطبق على لبنان فحسب، فالمهاجرون الذي يأتون بأعداد هائلة إلى فرنسا يساهمون في دمار بلدانهم الأم. ولكنني شخصٌ سيادي لا يقبل بالجريمة التي يرتكبها بحق أوطانهم الأشخاص الذين يفضّلون أن يهاجروا من بلادهم بدلاً من العمل على إحداث تغيير فيها".
 
ولكن كيف يُفسَّر ما آلت إليه الأوضاع في لبنان من تسيُّبٍ بعدما كان بلداً واعداً على الصعيد الاقتصادي وفي احتضانه للطوائف والحريات، وفي كونه نقطة التقاء بين الشرق والغرب؟ يقول ميشال أونفري إن السبب يكمن أولاً في الجغرافيا ثم التاريخ. "يكفي أن نأخذ خريطة وننظر أين يقع لبنان: هناك إسرائيل في الجنوب، إنما أيضاً فلسطين، وسوريا في الشرق، والبحر المتوسط من الغرب، أي بعبارة أخرى عند تقاطع اليهودية والمسيحية والإسلام، إنما أيضاً عند المحور الذي يربط الشمال بالجنوب، عن طريق البحر المتوسط، والذي تمرّ عبره التجارة بين أوروبا الشمالية والمغرب العربي، أي شمال أفريقيا، ولكن لبنان يقع أيضاً عند المحور الذي يربط الشرق بالغرب. إنها بؤرة لمختلف الأطماع، إذاً لمختلف الغزوات المحتملة".
 
تابع أونفري: "يتطلب هذا الموقع الجغرافي الاستثنائي سياسةً استثنائية، والمقصود بذلك سياسة علمانية لأنها الوسيلة الفضلى لتجنّب انتصار مجموعة ثيوقراطية ما على أخرى، وإفساح المجال أمام قيام نظام ديمقراطي في هذه البقعة الجغرافية حيث الصيغة الديمقراطية شبه معدومة! أما حالة التسيُّب فمردّها إلى الصيغة السياسية الثيوقراطية السائدة راهناً. في ظل تعدّد الطوائف، وفي غياب العلمنة، النزعة الطائفية هي التي تسود. وهذا التعصّب الفئوي يقود إلى الحرب لأن كل طائفة وكل فئة تسعى إلى السيطرة على المجموعات الأخرى!"
 
ختاماً، أردتُ أن أتطرق معه إلى النجاح الكبير الذي حققته مجلة Front Populaire التي أطلقها والتي وصل عدد المشتركين فيها إلى 50 ألفاً في غضون شهرَين فقط. هل يمكن تصوُّر مبادرة مماثلة في لبنان، أي مجلة سيادية تتيح للبنانيين أن يقرّروا مصيرهم من جديد؟ الخط الذي تعتمده المجلة التي أطلقها أونفراي هو خط سيادي، أي إنها من دعاة أن تمارس كل دولة نفوذها على أراضيها، لا على أراضي بلدان أخرى! يقول أونفري إنه من شأن مجلة مماثلة أن تشكّل في لبنان، أكثر من أي مكان آخر، نقطة التقاء بين الشرق والغرب، وهو ليس بالأمر الشديد التعقيد بعد ديغول! ويضيف أنه مستعدّ، إذا كانت في الأمر فائدة، للعمل على إنشاء جامعة شعبية في بيروت، وتنظيم سلسلة من الندوات عن الفلسفة السياسية بما يتيح تحويل فكر دو لابويسي ومكيافيلي وروسو إلى رافعات لنقل الجبال وتذليل العقبات!
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم