الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لم يغب لبنان عن باله... دواوين سعد كرم أبواب شُرّعت على أزمنة غابرة

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
دواوين سعد كرم
دواوين سعد كرم
A+ A-
 
 شاعر ملَكَ الحبّ قلبه، وارتسمت الوطنية على محياه. عاش في الحلم رغم أحزان وهزائم الوطن، فوُشمت اليقظة فرحًا في صميم أعماقه، رغم ثقل الحكايات على أكتاف السماء.
دواوين سعد شيبان كرم الأربعة : "جمر العمر، علم الدهر، جرح الحقيقة وصرخة وعي"، أبواب شُرّعت على أزمنة غابرة، حين أصبحت القلوب ثكلى بغياب الحواس العطش إلى تفاصيل غارقة في بحور الحنين.
 
لم يسكنه يومًا الصمت المترّبع على عرش الهمس، وما زال بوحه أخبارًا تتأرجح على ضفافي اللحظات المثقلة بأوهام القدر. حكاياته ودواوينه يقظة التاريخ وفخر الجغرافيا.
 
ليست خربشات الهلوسات، عندما يأخذك بسحر كلام سارح إلى الماضي، صادحًا صوته عبر أثير الإذاعة اللبنانية في برنامج الجندي اللبناني سنة 1955، وكان له من العمر خمسة عشر عامًا، حين أنشد: 
 
"لبنان عصخورو إنبنا برج الكمال
للعز مرتع للهنا أوسع مجال
لبنان عندو جيش عارف قيمتو
بعلِّم الأجيال أفعال الرجال".
 
تفسّح فضاء القمم، وفرد جناحيه مزهوًا، حين استضاف كرم جوقة شحرور الوادي عام 1958 على شرفة برحليون قضاء بشري التي يتراءى قبالتها أرز الربّ. كانت هذه الجوقة تضم الشعراء السادة: "علي الحاج، أنيس الفغالي، إميل رزق الله، وطانيوس عبدو" تبعتها حفلة من تنظيمه في نفس المكان الرائع عام 1971، وكان من نجومها المطرب الكبير وديع الصّافي والفنان مهدي زعرور والمطربة نزهة يونس.
 
كان كلّما يستدعيه واجب الثقافة، يبذر شعره فكرًا على بياض الزمن. فقد كان أحد أعضاء لجنة مهرجانات الأرز في السنوات 1966/ 1967/ 1968 من بين الأساتذة وجيه شباط، وهيب كيروز، مالك شخيبر طوق وآخرين. وقد أحيت حفلات المهرجان مجموعة من عمالقة الفن والفكر والطرب أمثال وديع الصّافي، فيروز والأخوين رحباني، روميو لحّود وسلوى القطريب. وقُدّمت المرسحية الكوميدية "فنيانوس بباريس" للأستاذ وجيه شباط.
 
(الشاعر).
 
للهوى عدوى الغابات الخالدة، المسحورة من افتتان البدر بالجمال الربّاني. ازداد الجو فتنة من البوح الجميل عندما قدّم سعد كرم حفلة من حفلات مهرجان الأرز بتاريخ 7 آب 2015، التي أحيتها فرقة النجم عادل كرم وفرقة أخرى للراب من الفيحاء، وهذا مما قاله في الحفل.
 
"الشمس لمْ بتطل عن ضهر القضيب
بتفلش جدايلها ع لبنان الحبيب
بترمي السلام ع شربل وجبران
تا تزيد نور وطهر مع إيمان 
ومن بعد ما تبوّس أرض لبنان
جبالو تلالو السهل والوديان
بتصير بها الجو تمشي قبالنا
ولمّا بتنزل عن شموخ جبالنا
بتصير تبكي دم هيي وعن تغيب".
 
كانت له قصيدة وطنية معبرّة في حفل استقبال الإمام موسى الصدر في بلدة بنهران الكورانية، محطته إلى إهدن بهدف تهنئة فخامة الرئيس سليمان فرنجية بانتخابه عام 1970:
"لبنان ملك الخالق الرحمن
لبنان للإنجيل والقرآن
لبنان أرض محمد وحنّا
وغير هيك ما بكون هاللبنان
وبيضل نور الكون موطنا
بحكمة علي تخلّد بموسى الصدر
وحكمة سليمان بسليمان".
 
لم يغب لبنان عن باله يوماً، ولم يكن من فواصل تقطع المعاني الملتهبة، في ساعات إفتتان الاحتفالات ببوحه المفروش ملامح وملاحم على بساط الليالي. ففي عام 1977 سلّمه شاعر لبنان الكبير الأستاذ سعيد عقل، جائزة "لبنان الخالد"، عن قصيدته التي فازت من بين عشرات القصائد، في سياق المهرجان الذي نظّم مباريات في منطقة الأشرفية، بين فنّانين ونحّاتين وشعراء ومصورين. وهذا مقتطف من قصيدته:
 
"لبنانّا بتاج الدني درّة
لمسها ممنوع بالمَرّة
الله من الطغيان حرّرها
وعا قد ما حلوة مناظرها
مُرّة ع قلب الطامعين مُرّة.
نحنا شعب من أصلنا جبّار
نحنا الاستسلام عنّا عار
منرفض الاستسلام
وع الضيم ما بنّام
وبساعة الإحراج
مندك أعلا براج
أو منحرق حالنا بالنار
نحنا الاستسلام عنّا عار".
 
صمد وما زال صامدًا بوجه العدم، مستمدًا صموده من صمود لبنانه. ففي العام 1981 فاز بجائزة "الصّمود اللبناني" من الشاعر الكبير سعيد عقل مجددًا، ضمن مهرجان كبير في بلدة أنطلياس حضرته جماهير عدة، وقد خاض العديد من الشعراء الكبار هذه المباراة. ضمّت لجنة التحكيم حينها إثني عشر عضواً من كبار الفكر في لبنان منهم: "الشاعر والفيلسوف سعيد عقل، المؤرّخة مي المرّ، الأستاذ الكبير فؤاد إفرام البستاني، الخطيب المبدع إدوار حنين، والأب أنطوان ضو". 
 
وهنا مقتطف من قصيدته الفائزة، التي خلّدها الوقت بعد أن عُجن خلاله الخبز المقدّس بفرح الاستشهاد:
 
"من يوم ما كانت دني لهلق
وما كان في قرآن أو إنجيل
وحق البشر بالمشنقة معلّق
ومحكوم بالتشويش والتضليل
الله افتكر من أرضنا يخلق
أرباب فكر وحملة قناديل
ولبنان كان العالم الأسبق
يمحي صوّر ويحطم تماثيل
علّم وضحّى طوّر وحلّق
ورسالتو بتبقى لآخر جيل
حلم الوجود بوجودنا تحقق
بحرف وشراع ومطرقة وإزميل
بهالكون نحنا نقطة الزيبق
وتا يزبط الكون ونظام الكون
مجبور كيف ما نميل معنا يميل".
 
أسس عام 1962 "الجوقة اللبنانية" في العصر الذهبي، حين كانت جميع الجوقات تُكنى بأسماء رؤسائها. هذا الرجل العصامي، الذي عمل بجد ومثابرة في مجال العمران، هو المتعهّد الذي شيّد مئات المنازل والبنايات الشاهقة على كافّة جغرافية الوطن، وتعهّد شقْ وتعمير حيطان طريق حدث الجبّة تنورين ولم يتمم آنذاك عامه السابع عشر. 
 
لم يدخل جيبه قرشًا واحدًا من موهبته الشعرية عملًا بوصية والدته التي كانت تقول له: "يا ابني لا تقبض حق الندب من أهل الفقيد" وبكلام السيد المسيح: "مجّانًا أخذتم، مجّانًا أعطوا. مت 10:8".
 
إن أغلب مقتطفات القصائد الواردة في هذا المنشور؛ هي من سطور دواوينه الأربعة، التي نال عن أحدها "جمر العمر" جائزة وزارة الثقافة خلال حفل توقيعه في أنطلياس، وقد نال جوائز ودروع كثيرة من روابط ثقافية عديدة ومهرجانات وندوات متعددة.
 
ذاك اليتيم الذي لم يعرف أباه، فقد تيتّم بعمر السنتين، جاهد في الحياة ولم يبال بالهزائم التي نهشت الوطن. حار الإبداع في أمره كلّما استدعاه رسولًا له على المنابر، مبتعدًا عن الشهرة، التي سبقها على دروب؛ انفلشت حجارتها مع بساط الليل والعمر الشقي، فكانت قصيدته:
"الشهرة دخيلك بعدّي عني
إسمك بلا فعلك مجنّني
بتفتحي عليي عيون الناس
وبتحرميني لذّة الجنّة
وحدي إذا بصلّي بلا قدّاس
بصلّي لربي بكون متهني
وع مذبحك لما يصير الكاس
مع سكرة الأجساد بالإحساس
رح تاخدي حق الدني مني
الشهرة دخيلك بعدّي عني".
 
سعد كرم شاعر غُرَر الطلّة البهية، فعرش الكلمات ينصاع إلى مدى فكره الواسع. يعتصم بالحق ويشهد له، في حين أنّ معظمنا لم يتحرر من ربقة عبودية الساسة، كي نستحق جائزة الوصول إلى الوطن الأفلاطوني. 
 
ممّا قاله في حفل قدّمته الشاعرة جوليات أنطونيوس في بلدة رشدبين الكورانية بمناسبة عيد الجيش اللبناني عام 2018:
"أحزابنا ونسواننا ورجالنا
وعيالنا نتوّحد بيقبى الوطن
وإن ما توّحدنا ع استقلالنا
ومع جيشنا وقفنا سوا بوج المحن
نمحي النشيد لا نكذب عْلَ حالنا
ولا بقا لانصّرخ كليتنا للوطن".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم