الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قراءة في رواية "ثقوب عارية" لعلي الحديثي

المصدر: "النهار"
الغلاف.
الغلاف.
A+ A-
 
حسين كامل
 
أن تكون روائياً، هو أن تعرّي الأشياء من تفاصيلها. هذا ما فعله علي الحديثي في آخر أعماله "ثقوب عارية" بحياكة ذكية، ولغة شفّافة بسيطة، منثورة بلمسات شعرية طفيفة. يأخذنا مخياله عبر فكرة جاءت من دون مسلّمات في رأسه- المهم أنّها جاءت- وعمد البطل إلى تطبيقها في الوقع- بمساحة 79 صفحة-، راسماً لنا فتحة ثقب لهذه الفكرة بين رأسه وجسده، حتى قدّم الكثير من التفسيرات التي تُفسد الطمأنينة، مفادها أنّ حياتنا هي حياة مدثّرة بالملابس، وعلينا أن نزيل تلك "الملابس الفكرية" لنصبح عراة تماماً، كما خُلقنا، مثل آدم الأول الذي أسّس لفكرة الحياء ببحثه عن ورقة توت يستر به جسده، برغم أنّه وحده آنذاك، ليس مثلنا محوطاً بالبشر. وفي المثلوجيا الدينية لمّا أرادت حواء أن تذوق طعم الجنس ثانيةً، لاحها جبرائيل بسوط الحياء وامتنعت.
 
 
يوحي الحديثي إلى أنّنا فعلنا العكس بالنسبة لعريّنا، فحين يجيء طفل إلى حياتنا، نبتكر ملابس له على مقاسه، وكلّما يكبر، كانت له ملابسه الخاصّة، مستلزماته، وأشياء خطّطنا لها قبل أن يولد، صاغت له خريطة حياتية، يمشي عليها إثر تأسيس المحيطين به، ثم صارت عبارة عن ثقب. فالحديثي هنا يعبّر عن هذه الحالة بقوله: "ما دام هناك إنسان، فهناك ثقب"، فضلًا عن أنّه حاك ديباجة الرواية بشخصية أوس الذي دائمًا ما يحاول أن يفكّ أزرار قميصه حتى في الأماكن العامة من دون حياء، وهي دلالة على محاولاته في فكّ الأزرار المغلقة في مفاهيمنا للعالم.
فجاء امتداد الثقب في القميص، الجسد، الروح، الباص، الشوارع، الملابس، الماء، كلّ هذا تناوله الحديثي بخاصّية التعرية عن جوهرها مرّةً، وتجريدها عن المفهوم السائد مرّةً أخرى، وأحيانًا هو- الكاتب- من يثقب الأشياء، وأحياناً أخرى هو من يغلقها، لتظن حبيبته علياء بأنّه مجنون تماماً، حتى العقل صار ثقباً عنده، يمكن أن تدخل له مخلّفات ما يفكّر الآخرون به الذي دعاهم الروائي بالحمقى، ولا يجب أن نصدّقهم: "هل تعلم بأنّ العقل عندما يتّسخ، فلن تستطيع مياه العالم إزالة تلك الأوساخ". 
 
الرواية تجوّلت في عالم الفلسفة الدينية بوصفها "تعرية" للأيدلوجيا، كما أنّها لا تخلو من الأفكار المدهشة في التوظيف الضروري جدًّا مثل تعرية الأشخاص بالتلفاز من خلال الضغط على أزرار الريمونت، والنوم على الأرض لرسم حروف كلمة "جسد"، وبيع الأجساد في محلّات الملابس، حتى رأى رجلاً عبارة عن بنطال يقيس جسماً عليه. كما أنّ الرواية قالباً جاهزاً من علم النفس، علم نفس هشاشتنا وهي تُنخر بالثقوب؛ في اعتمادنا على هذا وذاك في فهم حياتنا التي هي ملك لنا، ومن مسؤوليتنا نحن فتح الثقوب لتبتسم لنا الحياة، كما جاء لنا الحديثي بوحيه.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم