الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"عمرٌ على جناح فراشة" لسوزان عكاري: بوح امرأة راقصة على إيقاع الحب

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
غلاف الكتاب.
غلاف الكتاب.
A+ A-
ضحكت الدكتورة سوزان عكاري من سخرية الأيام، حين وضعت روايتها "عمرٌ على جناح فراشة" الصادرة عن دار الفكر العربي، على عرش الفرح، فكرة باسمة فوق كل قدر ظالم.
 
ريما بطلة القصّة، رقصت واستمرت بالرقص وتصميمه كي لا تنسى. نعم كي لا تنسى إنها إنسان يُحب رغم انكساف الرونق داخلها.
 
لملمت البطلة شظايا الجسد وألبستها روحًا أبية، لم تلتحق بقوافل هائمة بالتّسكّع، فلم تكن من هواة جمع الصدقات البالية، وتكديس المغامرات على أعتاب الرجال. فقد قادها حدس الفراشة الراقصة إلى النور عشقًا وحريّة. وتحررت المرأة الساكنة كيانها من المستحيل المترامي على صقيع الأمنيات الهالكة.
 
انزوى عشقها إلى زاوية توحشها التقاليد ويستوطنها الجهل، حين غلب الوحش الساكن حبيبها وأستاذها بالرقص وملهمها، غلب الحبّ الجميل والأحلام الوردية. وكان قد تبرّج بعطر الليل قدّيسًا عابثًا، مع فاتنة نابضة بأساطير الفن، صادحة بلغة الجسد رقصاً على إيقاع صخب الحياة الزاهية.
كشف غشاء بكارة ريما بطلة القصًة المطّاطي رقص الرجل على دروب الشوك، هاربًا من عهود خذلت حبيبته، ولم تنصفها في لغة البشر وخواء الملامح في الأقنعة.
 
فردت جناحيها لشذى الأمنيات الشارد، وحطّت في مدينة التاريخ والفن "زهرة الحريّة" باريس، مرممة هزائم معطّرة بانتصارات واهية، مختزنة أسرارها وانكساراتها العاطفية في ذاكرة الأيام.
منحت هذه الفراشة الأبية نفسها أجنحة نسر سمت بها إلى مدى الفن الأصيل الواسع بدون سؤال. ولم ترض أن تهدي مشاعر فنّانٍ صاعدٍ عاشقٍ خناجرَ وأوهامًا كاذبة، فاستقالت من أحلامه رغم رجائه الحبّ. غادرت حبّه بلوعة كبطلة مأساة إغريقية، كما انعتقت من عبودية حبّها السابق، وكانت هي نفسها دائمًا صادقة غير مبالية بثواب الآخرين، هاربة من عمرها إلى الحقيقة.
 
صوّرت سوزان المرأة المبدعة الفاضلة حقيقة عارية ونبضًا سارحًا، فكلّما ضاقت رؤية المجتمع لها، اتّسعت عبارة الكاتبة رؤى واضحة عنها، "فهي مغلّفة بصدق قاتل".
 
وضعت الراوية الحبّ خارج حدود المألوف، في معبد من صنع العاشقين لسكن الأرواح، "لا لم أنس الساعات الطوال التي غبنا فيها عن وجودنا". وأتى الوصف رائعًا، محملًا بأحاسيس الملائكة، حين وصفت حب المرأة المبدعة عاشقة الروح، اللّاهفة وراء تكامل العقول البعيد عن الشهوة الجسدية، من أجل كمال العطاء "حين كانت عيناي تهاجران في حلم جميل، لم ترحل عيناه مرّة معي. بل كانتا تنصبّان على شفتي لاختلاس قبلة، بينما الفنّانة في داخلي كانت تتكسر، وأصوات الرفض في داخلها تنوح! إنّ مشاعري، كشفتيّ، جزء منّي، وهو للأسف، لم يفهم".
 
وصفت الجسد المغمور بالموهبة طيفًا تهتز له القلوب ويتبعثر من تماوجه الهدوء، فتنمو اللهفة في عيون الحبيب، مع انعتاق الحركات خارج الوهم الجميل، "يتماوج جسمها وكأنه مقيّد يريد الإفلات".
 
جعلت حروف الكلمات تتوق لقواف تدخل العقل والقلب والروح، ويخرج مُذيّل الإمضاء ساعة يشاء من قلوب اللهفة إلى حد الألم، "هكذا الشعراء دومًا! لهم توقيتهم الخاص، يدخلون به إلى الأشياء، ويخرجون منها ساعة يشاؤون!".
 
جعلت الكاتبة القارئ في موقف الانتظار، طرحت مفاهيم شائكة، من خلال قصّتها الجميلة عن الحبّ والتقاليد والانعتاق منها، عارضة التباسات المشهد الاجتماعي الذي كان سائدًا في القرن العشرين زمن كتابة الرواية، منسحبًا إلى زمننا الحالي من دون تغيير.
 
وضعت الرجل الشرقي في قلب عاصفة، بانتظار تحطّم آخر أعمدة الجهل الموروث، أو الاستمرار في نفق مظلم من الأوهام المسبقة المتعلقة بالتقاليد البالية، وقد يتراوح خلاصه من هذا النفق بين الفشل الكامل والانهيار الكلّي.
 
كيف سيروّض المثقفون أنفسهم ومجتمعهم، في ظل بؤس الواقع المعاش فكريًا، واجتماعيًا، ونفسيًا، وصولًا إلى الوعي المكتسب؟ وهل أنّ شرذمة الجهلة، في خضم البحث عن طوق نجاة لأحلامنا المجهضة، يمكن أن تغيّر من جمود لحظة الانعتاق من الواقع المشؤوم؟
 
إنها لحق أسئلة صادمة، تقلق راحة الناس التّواقين إلى التّخلّص من الموروث، وتجعلهم في حالة من الإضطراب الذي يصل إلى هاجس المرض الذي لا شفاء منه.
 
فمتى نعيد قراءة وجودنا الحقيقي، المتعلّق بدور المرأة الشرقيّة الهادف الصادق الراقي الفاعل في المجتمع، ومتى نفهم ونحترم الشعور الأنثوي السامي المملوء عاطفة صادقة.
 
كيف يقرأ شباب اليوم هذه الرواية؟ هل يعي مأساة فراشة تصارع أقدارًا ملعونة. هل يكترث يومًا بهراء العابرين أم يضحك بلامبالاة ساخرة، حالمًا الدخول بصدق إلى عالم امرأة مبدعة ليكون فارسها؟ امرأة ختمت سوزان عكاري روايتها بصفاتها الناصعة كالإبريز المصقول "أنّ قدر المرأة الشرقيّة المبدعة، البقاء وحيدة، لأن فارسها لم يولد بعد".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم