الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

خماسيّة "كورونا وردة ربيعية" لفارس خشّان: وجه آخر للواقع المُعقّد

المصدر: "النهار"
مشهدية مُتخيّلة (تعبيرية).
مشهدية مُتخيّلة (تعبيرية).
A+ A-
 
كتب نبيل مملوك
 
الصورة، الفن، والأدب، من الفصيلة نفسها، خلطها يُنجب شيئاً جميلاً. معادلة أخبرني الصديق فارش خشّان أنه يؤمن بها، وسرعان ما انعكست على الحلقات الخمس من روايته "كورونا وردة ربيعية" التي تُنشر في "النهار العربي" تباعاً، وقد اختار خشّان أن يكون في زمن كورونا وزمن الاستغلال المالي، من قبل دور النشر وزمن الازمات الاقتصادية المحليّة والعالمية أن يكون أقرب الى القارئ، ويقدّم من باريس صوته الملتزم بالقضايا اليومية والمواقف التي قد تصادفنا جميعًا أو أغلبنا الى بيروت وغيرها من المدن.
 
في الحلقات الخمس، اختار خشان أن يبني سرده على الواقع الذي حضر بقوة في الحلقة الأولى عبر شخصية كمال سليم المعارض المناهض للقمع وكمّ الأفواه، المتصالح مع الروتين والرماديّة الباريسية، الى أن يتعثر"بصدفة" يرتطم صداها في ارضية ماضيه مقابلاً كلارا سليمان... نديمة عواطفه التي تركها لأسباب لم تفصح عنها الحلقات الخمس حتى الآن. حضور كمال زاد اضطراباً حين تخلى الكاتب عن الواقعية في الحلقة الثانية، إلى اندفاع كمال السياسي تحديدًا بعد تعرضه لمضايقات من احد المستشارين في القصر الجمهوري منطلقًا نحو كمال العاشق المرتبط بوهم استغناء كلارا عنه... عناصر جعلتنا نتفاجأ بثبات كلارا التي رشح قلبها بالقلق حين التقت بحبيبها المتخلّي.
هذه العناصر والأحداث لم تكتمل لولا اعتماد الكاتب على السرد الذي يحتاج في الرواية عمومًا الى عكاز يجمّل "شيبته"، وقد ابهرنا الكاتب باستعارة العكازات الملوّنة، فأضاف الحوارية أو الأسلوب الحواري، وأعادنا الى ما فعله يوسف السباعي في آخر أعماله "ابتسامة على شفتيه"، حين اختار ان يكون ضخّ المعلومات عن حقبة الـ 67 والنكسة تحت سقف الحوار، وكذلك فعل خشان حين وضع كورونا بواقعيها الفرنسي واللبناني، اضافة الى النعصرية والعنف (الممتدان بين الحلقتين الثانية والخامسة تحديدًا) تحت سقف الحوار.
 
استغنى الكاتب عن أسلوب الوصف مستعنيًا بالصور التي تمثل الامكنة التي دارت فيها احداث الحلقات. وهي إشارة الى احترام دخول العالم في عصر الصورة والتعبير معًا. اما الشخصية الثانية التي تتقاسم المشهد أي كلارا سليمان الاقتصادية التي تتعامل مع امتزاج حاضرها بماضيها بالعقلانية نفسها، التي تعاملت فيها مع تجربة طلاقها من أبي سيسيل، مما يشكل مفاجأة، بخاصة اننا اعتدنا على اندفاع عاطفي اكبر من المرأة، الا ان خشّان كسر القاعدة تمامًا كما كسرها عندما أظهر الصهر العنصري الأجنبي عن كمال القاطن في شرق يلتهمه المحيط العنصري والطائفي والاقتتال، ليظهر كمال مضطربًا قلقًا من الترك، متوجسًا من انتهاء رحلته الباريسية منتظرًا "الامان" من عشيقته المخضرمة التي فتحت بيتها كموطن لما يربطهما مما ازعج الصهر الطبيب الذي نكّل بابنتها سيسيل.
العنف في الحلقات كان رسالة... عرضه خشان لكل من يعنى بحماية المرأة تحديدًا في لبنان الذي يعاني "الترك النسوي" في ادغال الذكورية، فتسقط الامهات إما ضحية أزواج أسكرتهم الوحشية او يسقطن أرامل نتيجة انتحار زوج لم يحتمل غياب الف ليرة عن جيبته.
 
في الحلقات الخمس لم تغب الرسائل السياسية أيضاً. موقف الكاتب المعلن عبر كمال ضد الفارسية والعهد. لم يغب لبنان واستهتاره الصحي وكم الافواه، إضافة الى تعريفنا البسيط بالأمكنة والمعلومات المتبادلة بين الشخصيتين الأساس التي تؤكد ضرورة عودة الثقافة الى اي قالب ينضوي تحت سقف الحب. "أنا كلّ صباح، لا أشكر الله على نعمة الحياة، بل على نعمة القراءة. أقرأ مقالات مختارة يكتبها مفكرون وعلماء ومبدعون. هؤلاء يعطون الحدث أبعاداً جديدة. أبعاداً إنسانية. بعضهم يجعلك، رغما عنكَ، تتقبّل النوائب وتتصالح مع الموت. كما ألجأ الى الكتب. ممنوع أن يمر أسبوع، من دون أن أُنهي كتاباً. أحياناً، لا أجد ما يجذبني في الإصدارات الحديثة، فأعود الى الكلاسيكيات. الله ما أجملها. مثلها مثل روائع المعزوفات". (الحلقة الرابعة المقطع الرابع).
 
يبقى أمامنا ان نسأل الكاتب مجددًا، لمَ كان الواقع السياسي والسرد السياسي الذاتي (الخاص بكمال متقطعًا)، ألم يكن من المستحسن أن يختم كل مشهد سياسي بآخر كل حلقة فيظهر التشويق بوضوح؟ الم يكن من الضروري أن تحمل الزاوية الوجدانية في الحلقة الرابعة التي شكلت استقرارا عاطفيًا امتد الى الحلقة الخامسة شجارات واضطرابات متوازنة بين الشخصيتين، تجعلنا ننبض كالنجاة امام الاستقرار العاطفي هذا؟
فارس خشان في هذه التجربة الالكترونية التي تذكرنا بما أقدم عليه نجيب محفوظ وشعراء مجلة "شعر" ودستيويفسكي وغيرهم من نشر أعمالهم تباعًا في الجرائد ليكونوا على مسافة واحدة قريبة من الناس... كاسرًا النمطية المتبعة في الروايات السابقة، مسابقًا الشعراء الأسرع في طرح الواقع في قصائدهم، والسؤال هل ستكون العقدة التي لم نرَ اثرها حتى الان في ملعب ظروف كمال سليم السياسية والعملية، أم سيتجه الكاتب الى الكلاسيكية ويصب ماء العقدة في بقعة "الحقبة" الرومانسية؟
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم