الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كتاب "السلطة الثقافية والسلطة السياسية" لعلي أومليل: المثقف العربي وسؤال الأولويات

المصدر: "النهار"
صلاح الدين ياسين.
صلاح الدين ياسين.
A+ A-

صلاح الدين ياسين

 من إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية، صدرت الطبعة الأولى للكتاب ببيروت سنة 1996، من تأليف المفكر والدبلوماسي المغربي السابق علي أومليل الذي عرف بمؤلفاته التي تعنى بقضايا الفكر والتراث والحداثة ومن أبرزها "في التراث والتجاور" (1988)، "في شرعية الاختلاف" (1990)... وفي مؤلفه هذا الموسوم بـ"السلطة الثقافية والسلطة السياسية"، يطرح أومليل جملة من الأسئلة المتصلة  بمكانة المثقف وطبيعة السلطة العلمية في التاريخ الإسلامي، ليعرج فيما بعد على جذور نشأة الكاتب بالمفهوم الحديث الذي اقترن بأوروبا في عصر الحداثة والتنوير وفرنسا على وجه الخصوص، وصولاً إلى رصد راهن وموقع المثقف العربي من المفهوم الحديث للكاتب

هيمنة حملة العلم الديني

يشير المؤلف في البداية إلى أن السلطة السياسية والسلطة العلمية كانتا مجتمعتين في شخص واحد في أوائل الاسلام، بدءاً بالنبي محمد ووصولاً إلى الخلفاء الأربعة الأوائل، هذا قبل أن يحدث الانفصال بين السلطتين السياسية والعلمية مع تأسيس الدولة الأموية على يد معاوية وتشعب أنظمتها ووظائفها، وهو ما دشن صراعاً ممتداً بين السلطتين المتنازعتين، بحيث سعى الفقهاء إلى الرقابة على السلطة السياسية بصفتهم المؤتمنين على حفظ الشريعة، وفي المقابل لطالما حرص السلاطين على استتباعهم وضمان ولائهم عبر المزاوجة بين أسلوبي "الجزرة والعصا"، في مسعى لتأكيد الشرعية الدينية التي كانت ركيزة أساسية ضمن مصادر المشروعية التقليدية للحكم الإسلامي.

وفي هذا الصدد، كان الفقيه أو العالم الديني يستمد سلطته من العامة بخلاف المشتغلين بالآداب والعلوم غير الدينية الذين لم تكن بضاعتهم تجد رواجاً إلا عند السلطان وكبار أعيان الدولة. وهنا يمكن استحضار وضعية المعتزلة كمثال عن المأزق الذي تعرض له أصحاب الفكر العقلاني، فقد كان هؤلاء في حاجة إلى التحالف مع السلطة السياسية لأن مذهبهم النخبوي العقلاني لم يكن يجد قبولاً لدى العامة، وبالتالي فقد عرف هذا المذهب ذروة ازدهاره أثناء تبنيه من لدن الخلفاء العباسيين (المأمون والمعتصم والواثق) كمذهب رسمي للدولة، هذا قبل أن يتعرض المعتزلة للمحنة والمطاردة عند تولي المتوكل للحكم.

انكفاء وعزلة الفيلسوف

في مقابل هيمنة حملة العلم الديني واستئثارهم بالسلطة العلمية، لم يشكل الفلاسفة المسلمون بديلاً جدياً عن الفقهاء بالرغم من أنهم جعلوا من فلاسفة اليونان الأوائل وبخاصة أرسطو مثلهم الأعلى الثقافي، إذ أمعنوا في التفكير المجرد والمتعالي عن الواقع الذي لم يتخذ من مساءلة أساس شرعية السلطة السياسية وتغيير النظام الاجتماعي موضوعاً له. وهكذا، فإن المدينة الفاضلة التي تصورها الفلاسفة الإسلاميون في كتاباتهم لم تكن بحسب المؤلف مشروعاً سياسياً واقعياً بقدر ما شكلت محاولة ذاتية للهروب من بؤس الواقع المفرغ من أي حمولة فلسفية. وعليه، لم يضطلع دعاة الفكر العقلاني والفلسفي في التاريخ الإسلامي بالدور المأمول منهم والمتمثل في نقد النظام السياسي والاجتماعي، وآثروا مفارقة الواقع والانكفاء على مثلهم الأعلى الفلسفي كوسيلة للتعويض النفسي عن مرارة الواقع وخوفاً من بطش العامة والحكام.

وإلى جانب الفلاسفة الإسلاميين، تطرق علي أومليل إلى فئة "الكتاب" الذين سطع نجمهم مع تأسيس الدولة الإسلامية وتعقد وظائفها ودواوينها، فقد اختصت تلك الفئة بالتدبير الكتابي لشؤون الدولة (كتابة مراسلات السلطان والحرص على تبليغ معناها...)، وكان جل "الكتاب" من الموالي أي من أصول غير عربية، ولهذا فقد اعتبروا بأن العرب جدد ودخلاء على السياسة، إذ نهلوا من الأدب السياسي الفارسي على وجه الخصوص في مسعى لتلقين السلطان فن الحكم ومن ثم منافسة نموذج سياسة الفقهاء. وبالرغم من الدور التحديثي الذي لعبته فئة "الكتاب" في الثقافة العربية من خلال الانفتاح على روافد أجنبية فارسية ويونانية، إلا أن مضمون أدبهم السياسي ظلّ تقليديّاً وساهم في تكريس تقاليد الحكم الملكي الاستبدادي.

المفهوم الحديث للكاتب

وفقاً لصاحب المؤلف، فإن المفهوم الحديث للكاتب (l’écrivain) أو المثقف قد ظهر بفرنسا خلال القرن الثامن عشر، إذ يتفق الكثيرون على أن كتاب وفلاسفة عصر التنوير كانوا العامل الأساسي وراء التحول السياسي بأوروبا الذي دشنته الثورة الفرنسية سنة 1789. وكما يرى علي أومليل، فإن الكاتب بمفهومه الحديث يعد حاملاً لمشعل الحداثة ومبادئها، وهو بذلك لا ينزوي في برجه العاجيّ ويخوض في متاهات التفكير التجريدي المعزول عن الواقع، بل يجعل من نقد وتغيير النظامين السياسي والاجتماعي موضوعاً وهدفاً له.

كما أن الكاتب بمفهومه الحديث يستند إلى سلطة الرأي العام ولا يكتفي بترويج بضاعته لدى الحاكم وكبار أعيان الدولة، هذا خلافاً لموقف الكتاب والفلاسفة القدماء الذين كانوا ينظرون إلى العامة بشيء من التسفيه والاحتقار بسبب نفور هؤلاء من الفكر العقلاني النقدي. فمع بزوغ عصر الحداثة الأوروبية، ارتفعت معدلات القراءة والتعليم بفعل تطور وسائل النشر والطباعة، وجرى الانتقال من التصور التقليدي عن العامة أو الرعية إلى التصور الحديث الذي يستند إلى مفهوم الشعب أو الأمة في إطار دولة المواطنة التي قوامها المساواة أمام القانون. فما موقع المثقف العربي من المفهوم الحديث للكاتب؟

الكاتب العربي بين الدعوة إلى الالتزام وراهنية النضال الديمقراطي

يرى علي أومليل بأن الكتاب العرب أضاعوا بوصلتهم حينما تلقفوا دعوة جان بول سارتر في الخمسينات إلى أدب ملتزم، أي بوصفه وسيلة للدفاع عن قضية اجتماعية أو سياسية معينة، ضداً على أنصار موقف "الفن للفن" الذين يؤكدون على أن الفن يكتسب قيمته من ذاته ولا يجب تسخيره لخدمة قضية أو رسالة معينة. وبحسب المؤلف، كان الأولى بالكتاب العرب أن يناضلوا من أجل إقرار الديمقراطية وحرية النشر والتعبير كشرط ضروري لتبلور المفهوم الحديث للكاتب، باعتبار ذلك مقدماً على دعوة الالتزام التي برغم جاذبيتها فإنها لا تعدو كونها ترفاً في ظلّ غياب نظم ديمقراطية تعددية. ومن ثم، فإن الكتابة لا تغدو ممكنة إلّا في فضاء حرّ وديمقراطي وتعدّديّ، ولعلّ ذلك من أبرز الدروس المستخلصة من التجربة الأوروبيّة التي عرفت نشأة المفهوم الحديث للكاتب والمثقف.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم