الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

للشر اسمٌ آخر: كريستوفر لي

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
كريستوفر لي.
كريستوفر لي.
A+ A-
أصبح كريستوفر لي معروفاً حين اقترن اسمه بشخصيات دراكولا والمومياء وراسبوتين. مثّل على مدى أعوام طويلة دور الشرير في أفلام رعب، مستأثراً باعجاب محبّي تلك الأفلام. فقامته سمحت له بتأدية الشخصيات الباردة المقلقة والقاسية. بدأت مسيرته التمثيلية في العام ١٩٤٧ مع "لعنة فرانكنشتاين". أما دوره الاسطورة فكان دراكولا الذي أدّاه عام ١٩٥٨ في "رعب دراكولا"، فسمح له بالانطلاق نحو النجومية. في سبعينات القرن المنصرم، تخطّى لي أفلام الرعب، فظهر في "الفرسان الثلاثة" و"الفرسان الأربعة" و"الرجل والسلاح الذهب". أضفى سحره وصوته العميق الذكاء والرقي على أدواره، سواءً كان ذلك في أدوار الشر أمثال دراكولا أو الأبطال الشرفاء على غرار تشرلوك هولمز. أدّى ظهوره في أكثر من ٢٥٠ فيلماً إلى ذكره في كتاب غينيس على انه أكثر الممثّلين وفرةً. اضافة إلى السينما، مثّل لي في مسرحيات كلاسيكية لشكسبير وكاورد وغيرهما.
 
عمل لي طوال خمس سنوات في المخابرات البريطانية. وقد وصل إلى رتبة عالية وكوفئ لخدمته المتميّزة، خصوصاً عندما تطوّع خلال حرب الشتاء في فنلندا بين الـ١٩٣٩ و١٩٤٠. لكنه لم يكن يتحدّث كثيراً عن هذه المرحلة من حياته، مفضّلاً التكتم. "كنت مستودع أسرار خلال الحرب العالمية الثانية، ولو تكلّمت، لتسببتُ بموت أشخاص كثر. كنت في قوات المخابرات الخاصة، ولستُ مستعداً لقول المزيد، ولم أفعل ذلك يوماً. فقد وقّعتُ "تعهّد الأسرار الرسمية" لمدى الحياة. وبما انه طُلب ألا أبوح بشيء، فلن أقول شيئاً”.
 
 
ظهر لي في أجمل أفلام الرعب. حضوره فيها صادم، جعله يحصل تلقائياً على أدوار الأشرار أو المجانين، وهذا ما أبقاه أكثر من أي ممثّل آخر في مجال الرعب. أما في فيلم جيمس بوند "الرجل والسلاح الذهب"، فقد أضاف لي شخصية الشرير الكلاسيكي إلى الأدوار التي سبق ان أدّاها. لكن “ذا ويكر مان” يُعتبر أفضل أعماله، علماً انه أدّى فيه مشهدين مميزين، في دور لورد ساميرايسل، الأحمق العاجز عن الأذية ظاهرياً، قائد جزيرة اسكتلندية غريبة. عندما يبلغ الفيلم نهايته الصادمة، يدرك المُشاهد ان لي يظهر في أكثر شخصياته شرّاً. ما يربط الشخصيات المرعبة التي أدّاها لي هي السادية والمازوشية. حتى ان في نظره ان دور دراكولا ظاهرة جنسية غريبة. يقول عنه: “ربما لأنني حاولتُ ان أجعل من دراكولا شخصية رومنطيقية، يمكنك ان تشعر بالأسى حيالها”.
 
كانت مساهمة كريستوفر لي كبيرة في خلق صورة جديدة وشعبية للكونت دراكولا. جسّد هذه الشخصية المرعبة على طريقته الخاصة جداً، حتّى أصبحت مخلوقاً مغرياً وقاسياً. غير ان الممثّل لم يكن يحب ان يُشاهد نفسه، ويعلّق على الفيلم قائلاً: "أظن انه فيلم جيد جداً وأنا مدين له. انطلاقاً من تعمّقي في قراءة شخصية دراكولا في الكتاب، حاولت ان أعطي نظرتي الخاصة في التمثيل". كانت مقاربته اللافتة لدراكولا قاسية وجنسية وعنيفة ومخيفة. مشهد المواجهة بين لي في دور دراكولا وبيتر كاشينغ في دور فان هيلسنغ، واحدة من أعظم اللحظات في سينما الرعب، كونه في الوقت عينه مخيفاً ومبهجاً. كتب لي لاحقاً انه تشبّه بـ"هدوء دراكولا الذي تقطعه نوبات جنون وبقدرته المعقّدة وكونه فرداً محرجاً في عائلة عظيمة وراقية. هذا الدور صنع الفارق. وأكسبني اسماً ونادياً للمعجبين وسيارة”.
 
ذات يوم عبّر أحد النقّاد اعجابه بلي فكتب: "لدى مشاهدة لي، ترى انه يدرك تماماً قدرات شخصية دراكولا، وقد خلق دوراً لا يمكن استنساخه. لم يسبق ان شاهد لي فيلم دراكولا آخر. فهو يكتفي بقراءة روايات ستوكر مراراً، ويبقى وفياً لها، مهما يكن الوضع الذي وُجد فيه”.
 
أما لي نفسه، فلطالما فسّر انجذابه لدراكولا بقوله: "قرأتُ الرواية، ووجدتُ انها شخصية رومنطيقية وجنسية في نظر النساء، وبطولية من وجهة نظر الرجال، صاحبة قدرة هائلة. ولكنه كان ملعوناً. فالخلود أمر رهيب. وهو لم يكن يرغب في العيش، بل جلّ ما كان يتمنّاه هو الموت. وفي نهاية الرواية، يظهر نوع من الفرح على وجهه، لأنه يموت حقاً. كثيراً ما سعيتُ إلى وضع القليل من الحزن في الأدوار التي أدّيتها. فعلى المشاهدين ان يشعروا بالاضطراب قليلاً”.
 
في حين جسّد ممثّلون كبار تشرلوك هولمز، ساهم لي مساهمة فريدة في هذا الدور الذي قال عنه: "أدائي لدور هولمز أفضل ما قمتُ به، لأنني حاولتُ ان أجسّده كما هو تماماً، أي رجل قليل التحمّل وجدلي وصعب، وكنت بفضل الماكياج أشبهه إلى حد كبير. وكلّ من رآني في هذا الدور، قال انني أشبه هولمز أكثر من أي ممثّل آخر، في الشكل والأداء”.
 
ومن الأدوار التي برز فيها لي، دور راسبوتين. مثّل تلك الشخصية بنحو لا يخلو من بعض الغلو، حتى تخطّى الكاريكاتور. من الثابت ان أداءه لم يتميّز بالرقة أو الانتباه إلى التفاصيل النفسية، بل كان يتسم بالجنون المطلق، تماماً كما يدلّ عنوان الفيلم “الراهب المجنون”. اللافت ان راسبوتين يشبه دراكولا من نواحٍ عدة. الاثنان يعمدان إلى ممارسة نوع من السحر على ضحاياهما، مع اختلاف الغاية.
يتفّق النقّاد على ان لي خبير في التقليد والحركات الجسمانية، ويعود ذلك بلا أي شك إلى دراسته رقص الـ"باليه". فهو قادر على التعبير عن عاطفته ببلاغة من خلال حركات بدنية بسيطة. انه سرّ "المومياء" و"فرانكنشتاين". فالمومياء منغلق على نفسه في الفيلم، لكن عندما يتعرّف إلى الفتاة التي يظن انها متقمّصة في الأميرة التي كان يحبّها، يمكنك ان تشعر معه.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم