الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

برهان علويّة رحل... أفول رواية سينمائية صريحة لذاكرة لبنان والعرب

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
المخرج اللبناني الراحل برهان علوية.
المخرج اللبناني الراحل برهان علوية.
A+ A-

ليس برهان علوية (1 نيسان 1941-8 أيلول 2021) المخرج السينمائي اللبناني الوحيد، لكنّه من الأقوى ذاكرةً؛ وقد قُدّر لها أن تعاصر الحرب في لبنان، واختار صاحبها أن يوثّقها ليشارك في تأسيس حالة "السينما البديلة" مع مارون بغدادي وجوسلين صعب ورندا الشهال وجان شمعون؛ ولا مبالغة بالقول إن أيّ عزاء ليس على قدر رحيله، إذ أسقط ورقة التوت الأخيرة عن سينما لبنانيّة "غير تجارية"، تحكي بلغة الفنّ يوميّات تفرغ تدريجياً من معناها، وفنّانيها.

 

في بروكسل، نوبة قلبية أنهت حياة صانع "كفرقاسم" (1975) الذي فتح على الشاشة الفضيّة جرح فلسطين، ومعه شهرته عربياً، إذ قال "فلسطين هي التي أدخلتني السينما". وأرشف في "بيروت اللقاء" (1981) شبه حياة، تُحاول في الحرب (كما بعدها) أن تستمرّ بإيقاع مركّب ومن دون بوصلة، فـ"البلد صايرة متل العربيّة المخربطة، يوم بتمشي ويوم بتوقّف"، يقول سائق الأجرة في الفيلم.

 

حاول علوية أن يداوي سرطانه في بروكسل، لكن سرطان الطائفيّة اللبناني الذي تداعت منه مشهديات أفلامه، أيّ دواء له؟ وقد أطلق له صرخته ليلة رحيله من منفاه الاختياري، في آخر إطلالة فيديو له: "أنا كنت في بيروت، ورأيت ماذا حلّ بي في بيروت. لم أعد قادراً على تأمين غذائي، لأنني لم أنتمِ لطائفة"، "رسالة من زمن المنفى" تشكّلت في انصهار الرواية بالواقع البشعين.

لم يشأ برهان علوية يوماً أن يجامل الواقع، فأعاد إنتاج فظاظته، بل باهى بأسلوبه المباشر الذي صنع الميزة الأهمّ لهويّته السينمائيّة. "
أنا مزاجي حتى النخاع، ولا أريد بتاتاً أن أزعج نفسي بعملٍ لا ينسجم مع قناعاتي، وكلّ ما صوّرته هو صورة عن أفكاري وقناعاتي". وهذا ما ينضح من تركيزه على الفكرة، فأعطاها الأفضليّة على الصورة. "لطالما وجدت نفسي أجد في الموضوع الذي أصنعه، وليس في الشكل. أنا أخرج أفلامي فقط. أفكّر كالمخرج، لكن الإخراج ليس مهنتي".


علوية.

عاد إلى بروكسل في العام 2011، بعد أن أمضى فيها فترة من شبابه لدراسة السينما في المعهد الوطني العالي لفنون العرض وتقنيّات البثّ  "إنساس"، وتخرّج في العام 1973 بفيلم قصير عنوانه "ملصق ضد ملصق" وفيلم ثانٍ بعنوان "فوريار".
لم تكن هجرته إلى بروكسل هي الأولى التي دفعته إليها الحياة التعجيزيّة في لبنان، إذ كان انتقل في العام 1967 إلى باريس إثر وقوع حرب الأيّام الستة.

أفلامه، التي تنوّعت بين الروائي والوثائقي، ضمّت أيضاً "لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء" (1978)، و"رسالة من زمن الحرب" (1984)، و"رسالة من زمن المنفى" (1987)، و"أسوان والسدّ العالي" (1990) الذي عكس تأييده للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وآخرها "خلص" (2006).

 
 

منذ صغره، فرضت الظروف على علوية التنقّل في داخل لبنان كما خارجه. فوظيفة الأب في الدرك جعلته ينتقل من أرنون، بلدة المنشأ في الجنوب، إلى كلّ لبنان، لتستقرّ العائلة أخيراً في بيروت في العام 1956، ويتابع تعليمه في مدرسة عين الرمانة.

مهنياً، بدأ برهان علوية مساره مساعد مصوّر ثم كونترول فيديو في "تلفزيون لبنان"، ثمّ درس العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، وأصبح أستاذاً محاضراً في الجامعة اليسوعية في بيروت، واختير عضواً للتحكيم في مهرجانات قرطاج والدار البيضاء وبروكسل وغيرها.

 

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن صديق الراحل، مدير "نادي كل الناس" نجا الأشقر، إنّ علويّة "كان مريضاً، ويخضع للعلاج في المستشفى بانتظام كلّ ستة أشهر في بلجيكا"، و" حين دخل المستشفى هذه المرّة قبل أسبوعين لم يكن خائفاً لكنه كان مستعدّاً لكلّ الاحتمالات، وكان همّه أن يُدفن في مسقطه أرنون في قضاء النبطية بجنوب لبنان"، فهو "استقرّ في بلجيكا قبل أكثر من 10 أعوام، لإدراكه أن لبنان لم يعد يؤمّن له العيش الكريم".

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم