السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حكايات الأرز في الركن اللبناني... والعملات توثّق تاريخ الأوطان

المصدر: "النهار"
حكايات الأرز وألغار سفن الفينيق.
حكايات الأرز وألغار سفن الفينيق.
A+ A-
مما يقوله لنا التراث، إنه وليد الطبيعة والثقافة والمشاعر التي تتشكل في أحضانها، لذلك تتناول علوم التاريخ قطع التراث بوصفها مفاتيح لفهم المكونات النفسية والوجدانية للشعوب، وأدوات لفك شيفرة العلاقات بين البيئات المختلفة داخل المجتمع الواحد أو بين الأمم مع بعضها.

هذا ما يبدو جلياً في ركن جمهورية لبنان الذي يحل ضيفاً على "أيام الشارقة التراثية"، فرائحة شجر الأرز والزيتون والورد الجوري والقرفة، وعبق التاريخ الفينيقي القديم، وشموخ الجبال وتعدد ألوان الطبيعة، تتجسد جميعها في المعروضات من الأزياء التراثية وقطع الصابون والمنحوتات الخشبية والحلي المشغولة يدوياً بأيادٍ لبنانية ماهرة.

وعلى مدخل الركن، تعود مصممة الأزياء اللبنانية فاطمة معتوق إلى العهد الفينيقي وهي تشرح باعتزاز ظاهر مسيرة تطور الزيّ اللبنانيّ الوطنيّ، وتقول في حديثها عن "الطنطور"، وهو غطاء للرأس مخروطي الشكل ويعتبر من أهم قطع الأزياء التراثية: "اعتاد العريس على أن يقدم لعروسه طنطوراً مزيناً بالحجارة الكريمة لتحتفظ به طوال حياتها ولا تتنازل عنه أو تقوم ببيعه مهما كانت الظروف".
 

وتبين فاطمة معتوق أن "الطنطور" كان يدل على المكانة الاجتماعية، فالأغنياء يصممونه من الذهب ويضيفون عليه الألماس والأحجار الكريمة غالية الثمن، أما الطبقة المتوسطة فتستخدم الفضة والأحجار الأقل ثمناً، بينما يصنعه الفقراء من الخشب ويغطونه بالألوان الزاهية، وبالرغم من التباين في القيمة المادية للطنطور إلا أن رمزيته وقيمته المعنوية واحدة يتشارك فيها الجميع، فهو تعبير عن السمو والشموخ والاعتزاز بالانتماء للوطن.

أما عن الملابس الملونة والمزركشة والمصنوعة بأنواع مختلفة من القماش والخيوط، فتقول معتوق: "إن اللبناني استوحى تصاميمه تاريخياً من جمال الطبيعة وتعدد ألوانها"، وتوضح أن الملابس المعروضة في الركن يمثل كل منها منطقة من مناطق لبنان، فملابس الجبل تختلف عن ملابس السهول، وكذلك عن ملابس الساحل، وتكشف أن مصممي الأزياء قديماً حرصوا على أن تتناسب الملابس مع طبيعة الحياة والأعمال في كل منطقة وأن تراعي كذلك ظروف المناخ والحرارة صيفاً وشتاءً.
 

وحول المشغولات اليدوية الأخرى، يؤكد الكيميائي اللبناني مأمون شقير، أن لبنان من أوائل الدول التي صنعت الصابون على مستوى العالم، وأن الفينيقيين نقلوا هذه الصناعة بسفنهم المصنوعة من أرز جبال لبنان وزيتونها إلى سواحل العالم وقدموها للشعوب والحضارات الأخرى.

ويقول، وهو يستعرض مكونات قطع الصابون المصفوفة على طاولة خشبية في مدخل الركن كأنها قطع ملونة من الحلوى: "في بيروت مكان يعرف بخان الصابون، تأسس منذ آلاف السنين، وساعدت وفرة الزيتون في مناطق لبنان على ازدهار هذه الصناعة التي ما لبث السكان أن أدخلوا عليها مكونات أخرى مثل الغار والورد الجوري والكركم والعسل لإيمانهم بالفوائد الطبية والجمالية الكبيرة لهذه المكونات".

ويستكمل مأمون شقير حديثه الحماسي وهو يشرح أسباب ازدهار حرف النحت على الخشب في لبنان، ويوضح أن السبب في ذلك يعود إلى جودة أخشاب الأرز والصنوبر والزيتون، ما يمنحها عمراً وثباتاً في وجه تقلبات المناخ وتأثيرات الطبيعة الأخرى، ويدلل على كلامه بمنبر صلاح الدين الأيوبي في جامع الأزهر المنحوت من أرز لبنان، والذي بقي خالياً حتى الآن من علامات التلف محتفظاً بجماليته وفخامته.
 

العملات في "أيام الشارقة التراثية"
العملات النقدية، أوراق وقطع معدنية توثق التراث وتاريخ الأوطان، كثير منها يشبه اللّوحات الفنية بما تحمله على سطحها من رسومات وألوان، وجلها يحمل صوراً لمعالم بارزة للدول والبلدان، أو رسوماً لشخصيات وقادة وحكّام، هذا ما تجد نفسك أمامه لدى زيارة جناح العراق المشارك في فعاليات الدورة الـ 18 من "أيام الشارقة التراثية".

على إحدى منصات الجناح، تظهر مجموعة من العملات النقدية، بعضها ورقي وأخرى معدني، لكل منها تاريخ وتصميم ولون، ومن بينها تبرز إحدى العملات الفلبينية التي يعود إصدارها إلى سنة 1935، الأمر الذي جعلها الأقدم في المجموعة الفريدة التي تعرضها الرسامة العراقية مريهان حسين الوائلي، التي تعشق العملات واتخذت منها هواية خاصة.

مجموعة كبيرة من العملات تعرضها مريهان أمام زوار الجناح العراقي، فمنذ عقد وهي مشغولة بجمعها ، هواية ورثتها عن والدها الذي صرف عمراً فيها، حيث تشير إلى أن أحدثها يعود إلى فترة الثمانينيات، بينما أقدمها يعود إلى الثلاثينيات، وتبين أن ما تمتلكه من العملات القديمة، لا يقتصر فقط على العملة العراقية، وإنما تتسع عباءتها لتشمل أيضاً عملات من مختلف الدول العربية والغربية.

وتقسّم مريهان العملات القديمة التي تمتلكها إلى مجموعات، سواء الورقية منها أو المعدنية، وتقول: "هناك عملات عراقية صدرت إبان عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهي تتأرجح بين الطبعات العراقية ونظيرتها السويسرية، أما من حيث تواريخ صدورها فمعظمها يعود إلى عقدي السبعينيات والثمانينيات".
 


وتضيف: "هناك عملات أخرى معدنية تعود إلى أيام المملكة العراقية، وتحديداً إلى عهد الملك فيصل وغازي، وهي مسكوكة في عام 1938 و1958، كما أمتلك أيضاً عملةَ عراقيةَ فريدة من نوعها تعود إلى عهد عبد الكريم قاسم، الذي يعد أول حاكم عراقي بعد سقوط الحكم الملكي في العراق، حيث صدرت هذه العملة في 1960".

مجموعة مريهان، تضم أيضاً عملات قديمة تنتمي إلى عدد من الدول العربية والأجنبية، وتقول: "لدي مجموعة كبيرة من هذه العملات، بعضها ينتمي إلى مصر، وقطر، ولكن أقدمها هي عملة الفلبين والصادرة في عام 1935"، وتشير إلى أن معظم العملات الموجودة لديها، تم تقييمها بشكل رسمي من قبل موقع PMG العالمي، والمتخصص في عملية تقييم العملات الورقية القديمة.

اهتمام مريهان بالعملات المعدنية، امتد ليشمل أيضاً عملات دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي ذلك قالت: "لدي إصدارات خاصة من عملة الدرهم الإماراتي، أصدرها المصرف المركزي الإماراتي في بعض المناسبات".

 
 
فاطمة المغني
وفي سياق متصل، طرحت الباحثة الاجتماعية والخبيرة في التراث الشعبي فاطمة المغني حزمة أفكار لإعادة بناء التصور حول دور المرأة داخل الأسرة في ضوء قراءتها للعادات والتقاليد في المجتمع الإماراتي، وأكدت أن إدراج تقاليد "السنع" (العادات) كمادة للتعليم ضمن المنهج الدراسي لا يغني عن ممارسة تلك التقاليد في الحياة اليومية، لاستيعاب أثرها في تعزيز لحمة المجتمع وزراعة الألفة بين العائلات، ودورها الأساسي في حماية الهوية والخصوصيات المحلية ذات العمق الإنساني الإيجابي.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية، أقيمت في ركن البرنامج الأكاديمي في ساحة التراث بقلب الشارقة، ضمن فعاليات "أيام الشارقة التراثية 18"، وأدارتها نائب المدير الأكاديمي بمعهد الشارقة للتراث، الدكتورة بسمة وليد كشمولة، حيث تناولت المغني بعض أشكال العادات والتقاليد في دولة الإمارات العربية المتحدة، ورأت من خلال تجربتها الشخصية في التحصيل العلمي والتحاقها بالأعمال الوظيفية والبحثية المختلفة، أن مسيرتها حظيت بالدعم الكامل من قبل الجد والأب ثم الزوج، الأمر الذي جعلها تنظر برؤية متوازنة إلى ما يعتبرها البعض ثنائية ضدية بين الجنسين، حيث ترى أن هذه النظرة مفتعلة.

وعارضت الباحثة افتراض وجود علاقة تناقض حادة بين الرجل والمرأة، وقالت: "ينبغي أن يظل تطلع المرأة لتحقيق ذاتها بعيداً عن التأثير السلبي على وحدة كيان الأسرة ودورها المحوري في التنشئة السوية للأبناء، وكل ما يحمي السعادة العائلية، بما يمكن أفراد المجتمع من تحديد غايات نبيلة لمفهوم تحقيق الذات، دون أن يتوهم الفرد سواء كان رجلاً أو امرأة أن تحقيقه لذاته يقوم على الصدام مع الأسرة أو التخلي عنها".

وأشارت المغني في ردها على سؤال حول مشاريعها البحثية، إلى تفاصيل رحلتها في التراث الشعبي الإماراتي، وإلى تجربتها كمدربة في مجال تعلم العادات والتقاليد في "برنامج السنع الإماراتي"، وأوضحت الكثير من طقوس الترحيب بالضيف واحترام الأكبر سناً، وأولوية جهة اليمين في كل طقوس الترحيب، مروراً بعادات سائدة في طقوس الخطوبة والزواج في البيئات الإماراتية المختلفة، وعادات استقبال المولود، وشيوع الخوف قديماً على المواليد الذكور من الحسد، الأمر الذي كان يدفع العائلات في السابق إلى إخفاء جنس المولود في شهوره الأولى.
 


وحول تجربتها في توثيق التراث الشعبي، نصحت فاطمة المغني الباحثات الشابات بالتحرر من النمطية، والانفتاح على كل المعلومات المتاحة ثم غربلتها وتصنيفها، وعدم التقيد بما يمكن أن يخلق جداراً يحول دون فهم لوحة الموروث الشعبي وطبيعة التداخل بين التقاليد في البيئات الإماراتية الأربع (البحرية والزراعية والجبيلة والبدوية).

وعبرت الباحثة عن شعورها بالأسف لخسارة مجتمع الشارقة تحديداً بعض الحرف التقليدية القديمة، نتيجة للتحولات الاجتماعية التي دفعت عائلات الحرفيين إلى التخلي عن كثير من المهن التقليدية، وذكرت منها صياغة الذهب وصناعة البشوت وصناعة القوارب، وأوصت بإطلاق ورش تدريبية لإعادة إحياء الحرف التي اندثرت.

يذكر أن الباحثة فاطمة المغني أسست متحفاً في منزلها يضم مقتنياتها من التراث، وكانت عضواً في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة بين 2004 و2007، ولها العديد من الأبحاث في التراث الشعبي، كما تولت رئاسة مجلس سيدات أعمال الشارقة بين 2007 و2009، وعملت أميناً عاماً مساعداً لـ"الجمعية العربية للتنمية الإدارية والاجتماعية والنفسية" في مصر، وحصلت على العديد من الجوائز.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم