مؤامرة... وبيروت ولولت كامرأة من زجاج
29-09-2020 | 11:32
المصدر: "النهار"
شعر: جورج شكرالله
تلوّى كالحقّ المنهوب، فرفع الواقع ساقطًا.
من ثيابه رفعه جائعًا
رفع واقعه وتاه، فرافقته الأرض، ترابًا يفتّش بأصابع خرافيّة في سلطة التراب.
يفتّش عن حاكم في الضياع، في خلفيّة الصراع بين السراب، وسطوع الشمس.
كان مدينةً. كان تاريخًا كأنه نهرٌ...
مضت السنون به، في زوبعة من دخانٍ يُرخي فوق شوارع بيروت، حثالاتٍ سوداء، كأنها حشرجة الحياة، في باطن لعبة جهنميّة، بين النيران والموت.
الكلّ هربَ... توارى، خوفًا من ارتجاج الأرض، وانتباه الزلازل.
الكلُّ هرب، في وقتٍ، حدّدته الغفلةُ، والوحول المشتركة، والفساد العام، والجبانة العليا، ليكون وقتًا للهرب.
سُئلَ، عن تحوّل الأمور بهذه الهمجيّة، فأجاب وهمًا، وركن إلى صمتٍ عميق، كأنه كلامٌ مدفون.
اجتاز عتبة العمر. انهارت أمنياته، كبيوت الجميزة الأثرية.
دوّى انفجار اللامباة، فوضعت بيروتُ يديها فوق رأسها، وولولت كامرأة من زجاج، من تكسرّات أدراج وسلالم، من جراحات ودم.
آخر عمود ترنّح وهوى... وثمّ دخان... دخان... دخان...
آهٍ يا بيروت، يا مدينةً مسبيّة، كم دوّنكِ التاريخ، في سجلّ الزيجات، بين المدن ومواقد النار والدخان.
لأوّل مرّةٍ سَمعَ الفراغَ يصرخُ ويتلوّى...
ولأوّل مرّة، أسندَ رأسه الى الهواء، وتمسّك بالريح.
وإذْ مشى جهةَ البحر، كأنّه غياب، قال في نفسه: مؤامرةٌ كبرى، وغباءٌ مطلق...
تفريغُ، قلبِ مدينةٍ، كقلب بيروت، مؤامرةٌ كبرى، وغباءٌ مطلق...
سرقةُ عواصمَ عشبَ بيروت، لتكلأ تلك العواصم، مؤامرةٌ كبرى، وغباءٌ مطلق
أيّ وطنٍ يُفرّغُ قلبُه، ويبقى حيًّا، أيُّ وطنٍ؟ مؤامرةٌ كبرى، وغباء مطلق...
أحدٌ لم يرفع عصًا، دفاعًا عن قلب هذه المدينة "الحزينة حتى الموت".
هو الآن في مركبٍ نجا بالقدرة، من انفجار المرفأ الرهيب، يجذّف باختناق، ليقف في طريق الشمس، حتى لا تغيب.