السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مسيرة طويلة ورؤية متجدّدة... جائزة الآغا خان للعمارة "الأصول والتأثير" (صور)

المصدر: "النهار"
المتحف الفلسطيني.
المتحف الفلسطيني.
A+ A-
محمد أدهم السيد
 
شهدت العمارة منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، قفزات نوعية متتالية طالت أكثر من جانب من جوانب هذه المهنة التي تجمع بين العديد من القطاعات الرئيسة والمهمة في حياتنا، والتي قد تنطلق أساساً من قطاعي الهندسة والبناء، إلا أنها تشمل أيضاً الصحة والتعليم والبيئة والتراث والفن والعديد من القطاعات الحيوية الأخرى ذات الصلة. 

من هذا المنطلق، لا يبدو غريباً أنّ النزعة الإبداعية لدى المصممين المعماريين قد تطوّرت إلى حد كبير أيضاً خلال العقود الماضية، ورافق ذلك بشكل أكيد عملية تقويم المشاريع المعمارية التي تغيّرت بدورها في الآونة الأخيرة من حيث الشكل والمفهوم والمعايير، لتشمل إضافة إلى المواصفات الهندسية وروعة التصميم والجمال المعماري، جوانب أخرى لا تقلّ أهمية مثل الدور الوظيفي والفائدة التي يقدمها المشروع للمجتمع والفئات المستفيدة، والطريقة التي يستجيب فيها المشروع لتطلعات المجتمع وحاجاته ويوظّف من خلالها المفردات والمفاهيم والتصاميم المعمارية للوصول إلى هذه الغاية. 
 

ضمن هذا الإطار أيضاً، لعبت جوائز عالمية مرموقة ومتخصصة في مجال العمارة دوراً مهماً في تسليط الضوء على المشاريع المتميزة في العالم وتكريمها وتوثيقها ونشرها، مساهمة بذلك بطريقة أو أخرى في تطوير مفهوم العمارة وتوثيق أهم التطورات والقفزات التي شهدها هذا القطاع الهام خلال الفترة الماضية. ولعلّ من أهم هذه الجوائز العالمية التي تعنى بتقدير وتكريم العمارة هي جائزة الأغا خان للعمارة، التي يقع مقرها الرئيس في جنيف، وتبلغ قيمتها المالية مليون دولار أميركي. 
 

وكانت جائزة الأغا خان للعمارة انطلقت للمرة الأولى في عام 1977 بهدف الاحتفاء بالعمارة الإسلامية في كلّ أنحاء العالم، مع التركيز بشكل خاص على المناطق التي يكون للمسلمين وجود معتبر فيها. وتمنح هذه الجائزة مرّة كل ثلاثة أعوام، وتعد واحدة من أقدم وأكبر الجوائز العالمية في هذا المجال حيث بلغ عدد دوراتها المنجزة حتى الآن 14 دورة. وتختلف الجائزة من حيث توجهها واهتماماتها عن الكثير من جوائز العمارة الأخرى، فهي لا تكافئ المهندسين المعماريين فحسب، بل أيضاً البلديات، وعمال البناء، والعملاء، والعمال المهرة، والمهندسين الذين كان لهم دور مهم في إنجاز المشاريع. 
 

ندوة افتراضية
للحديث عن جائزة الأغا خان للعمارة ومسيرتها الطويلة التي بدأت قبل نحو 44 عاماً، ولتسليط الضوء على المحاور الرئيسة التي ركزت عليها الجائزة في دورتها الأخيرة (2017-2019) وكذلك المشاريع الستة الفائزة بالجائزة، استضافت "جمعية بوسطن للعمارة" في الولايات المتحدة أخيراً ندوة افتراضية بعنوان "جائزة الآغا خان للعمارة... الأصول والتأثير"، وهي الأولى ضمن سلسلة من الندوات التي ستستضيفها الجمعية تباعاً للحديث عن هذه الجائزة والمواضيع الرئيسة التي تطرحها، من خلال استعراض مجموعة من الأمثلة الرائعة والمشاريع المتميزة التي حظيت باهتمام وتقدير الجائزة.

شارك في هذه الندوة عدد من المحاضرين المرموقين الذين يرتبطون بمسيرة الجائزة، وأعضاء من اللجنة التوجيهية ولجنة التحكيم العليا للجائزة، وهم: البروفسور ناصر رباط، أستاذ الآغا خان للعمارة الإسلامية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضو اللجنة التوجيهية لجائزة الآغا خان للعمارة (2017-2019)؛ والبروفسور حسن الدين خان، الأستاذ المتميز في مجالات العمارة والحفاظ على التاريخ في جامعة روجر ويليامز؛ والبروفسورة ريناتا هولود، الأستاذة في العلوم الإنسانية في قسم تاريخ الفن، وأمينة قسم الشرق الأدنى في متحف بنسلفانيا، وعضوة سابقة في اللجنة التوجيهية ولجنة التحكيم العليا للجائزة؛ بينما أدار الندوة خليل بيراني، وهو مهندس معماري كبير في كلاينفيلدر.
 

اتسّمت المداخلات ضمن هذه الندوة بأهميتها وتنوعها، وأكّدت بالمجمل على أهمية المفهوم الأساسي الذي ركزت عليه الجائزة في دورتها الأخيرة والذي تمحور حول دور العمارة كوسيلة لخلق الحوار وتعزيز التواصل والاحتفاء بالتعددية والاختلاف بين الثقافات والشعوب. وهذا ما عبّر عنه في وقت سابق مؤسّس الجائزة ورئيس لجنتها التوجيهية، الآغا خان، عندما تحدث لمناسبة الإعلان عن المشاريع الفائزة بالجائزة، قائلاً: "إن الحوار المعماري الثري الذي نسعى إلى تعزيزه ينبغي أن يشمل الاحترام المتجدد لتنوع الثقافات الإسلامية نفسها". 
 
وأضاف: "إنه من الضروري أيضاً تعزيز الحوار مع الثقافات غير الإسلامية، بما في ذلك التقاليد الدينية المتنوعة. ويمكن الهندسة المعمارية أن تقود الطريق في هذا المسعى، حيث نستمع لبعضنا البعض، ونتعلم من بعضنا البعض مستفيدين من الانقسامات القديمة"، مشيراً بذلك إلى الإمكانات التي تختزنها العمارة في إلهام وإثراء الحوارات الإبداعية، وتبني وجهات نظر متنوعة وحتى متباينة بين الشعوب.
 

مسيرة طويلة ورؤية متجددة
من ناحية أخرى، استعرضت الندوة بدايات الجائزة وأصولها وأهدافها الرئيسة وأفكارها الأولى ومجمل التطورات والإنجازات التي مرّت بها وحققتها خلال مسيرتها الطويلة. ووفقاً للملاحظات التي قدّمها المشاركون، يمكن القول إنّ الجائزة قد مرّت بمراحل متتالية استطاعت فيها أن تتجاوب بامتياز مع تطوّر مفهوم العمارة وتلمس الحاجات المتجددة للبيئة المبنية والطبيعية في عصرنا الحالي، لينعكس ذلك بشكل أكيد على آلية عمل الجائزة والمعايير الموضوعة لاختيار وتكريم المشاريع الفائزة، وكذلك المواضيع الأكثر أهمية وتركيزاً من الجائزة، بدءاً من المساعدة في حلّ مشاكل بقاء الفرد الذي كان محور اهتمام الدورة الأولى من الجائزة وانتهاء بدور العمارة في خلق الحوار وتعزيز التواصل والاحتفاء بالتعددية والاختلاف بين الثقافات والشعوب الذي كان كما ذكرنا سابقاً موضوع الدورة الأخيرة منها. 
 
أما الانتشار الجغرافي للمشاريع المختارة، فلم يكن يمثل يوماً معياراً مهماً بالنسبة للجائزة، إذ تم منح الجائزة لمشاريع في جميع أنحاء العالم، من فرنسا إلى الصين، مع التركيز بشكل خاص كما ذكرنا سابقاً على المناطق التي يكون للمسلمين وجود معتبر فيها. وبناء على ذلك، حصل مهندسون معماريون ومخططون حضريون من نيويورك إلى بيجينغ، مروراً بالرياض، وعمان، وبيروت، والدوحة، والشارقة، والمنامة، وغزة، والخرطوم، وتونس، والرباط، ودمشق، وبغداد، والقاهرة، ولندن، واستوكهولم، وقرطبة وغيرها الكثير، على واحدة أو أكثر من أصل 128 جائزة منحت حتى الآن.
 
بالإضافة إلى كل ما سبق، ركزت المداخلات خلال الندوة حول تأثير الجائزة (وبخاصة في دوراتها الأخيرة) على تطور مفاهيم وأساليب العمارة الحديثة، من خلال تسليط الضوء على المباني والهياكل التي تتناول المجتمعات المتعدّدة والتي تجمع أيضاً بين السكان من أصول وثقافات مختلفة، والتركيز على العمارة المتميزة التي تعمل على تحسين نوعية الحياة وتلبّي الحاجات المادية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والفئات المستفيدة مع الاستجابة لتوقعاتهم الثقافية.
 
ويؤكد الأغا خان على أهمية هذا الأمر، شارحاً في وقت سابق سبب اهتمامه الخاص في فنّ العمارة، بالقول: "إن الإجابة البسيطة تكمن في قناعتي بأنّ العمارة - أكثر من أي شكل فني آخر - لها تأثير عميق في نوعية الحياة البشرية. أعتقد أننا جميعاً نتحمل مسؤولية تحسين نوعية الحياة كلما وحيثما أتيحت لنا الفرصة. إن التزامنا بالتأثير على جودة الهندسة المعمارية من الناحية الفكرية والمادية ينمو مباشرة من التزامنا بتحسين نوعية الحياة البشرية".
 

الاحتفاء بالعمارة المتميزة
بالمحصلة، أكدت هذه الندوة على أهمية تكريم العمارة المتميزة والتعريف بها على نطاق واسع من خلال مجمل النشاطات التي تقوم بها، بدءاً من حفل الإعلان عن المشاريع الفائزة، مروراً بالندوات والمعارض والنشاطات المختلفة التي تنظمها الجائزة على امتداد كل دورة من دوراتها للاحتفاء بهذه المشاريع وتشجيع إطلاق مشاريع مماثلة وربما أفضل في مناطق أخرى من العالم. ومن المفيد القول إنّ الاحتفالات للإعلان عن المشاريع الفائزة وتحديد ختام كل دورة من دورات الجائزة تقام عادة في بيئات يتم اختيارها لأهميتها المعمارية والثقافية. وشملت الأماكن السابقة لفعاليات حفل توزيع الجوائز العديد من الصروح المعمارية الأكثر شهرة في العالم الإسلامي، ومن ضمنها قصر البديع في مراكش (1986)، وقلعة صلاح الدين في القاهرة (1989)، وقلعة حلب في سورية (2001)، والمتحف الإسلامي في الدوحة (2010)، وغيرها الكثير.

يذكر أنّ "جمعية بوسطن للعمارة" تستضيف حالياً معرضاً افتراضياً بعنوان "العمارة في حوار: جائزة الآغا خان للعمارة"، والذي يسلط الضوء على المشاريع الستة الفائزة بالجائزة والأعمال التي تم اختيارها ضمن القائمة القصيرة للجائزة في دورتها الأخيرة. وكانت لجنة التحكيم العليا لجائزة الآغا خان للعمارة قد أشارت في وقت سابق إلى ضرورة حفاظ الهندسة المعمارية على أهميتها بالنسبة لتحديات اليوم، فضلاً عن ضرورة إعادة التأكيد على أهمية موقع المهنة نفسها لمواجهة التحديات الإنسانية والمجتمعية والبيئية. وفي ضوء الحاجة إلى تغيير موقعها، صرّحت لجنة التحكيم العليا بأنها في دورة الجائزة الأخيرة سعت لاختيار المشاريع التي تشكك في الممارسات التقليدية للمهنة، والأهم من ذلك، وضع مسارات ملهمة ومبدعة يمكن من خلالها للمهندسين المعماريين معالجة المشكلات الاجتماعية والتعامل معها بجدية.
 
من هذا المنطلق، تنوعت المشاريع الستّة الحائزة على الجائزة، التي امتدت عبر ثلاث قارات، في شموليتها، حيث تضمّنت تدخلاً في التراث الحضري، ومدرسة عائمة، ومتحفاً وطنياً، وبرنامجاً طموحاً لوضع المساحات العامة في مئات المواقع قيد الاستخدام، وقاعات وفصول جامعية، ومركزاً بيئيّاً. وضمّت قائمة المشاريع الفائزة كلاً من: مشروع إعادة إحياء مدينة المحرّق في البحرين؛ ومشروع أركاديا التعليمي في جنوب كانارشور، بنغلاديش؛ والمتحف الفلسطيني في بيرزيت، فلسطين؛ وبرنامج تنمية الأماكن العامة في جمهورية تتارستان، الاتحاد الروسي؛ ومبنى محاضرات جامعة عليون ديوب في بامبي، السنغال؛ وأخيراً مركز واسط للأراضي الرطبة في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم