الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

العدم ورأس جبل الجليد في لوحة شوقي دلال: العالم مفتوح على الهاوية

المصدر: "النهار"
العدم ورأس جبل الجليد في لوحة شوقي دلال.
العدم ورأس جبل الجليد في لوحة شوقي دلال.
A+ A-
رفيق أبو غوش- أديب وشاعر

تشكّل لوحة الفنّان شوقي دلال رأسَ جبل الجليد لهذا العالم المعطوب. فما يخفى منها أكثر ممّا يظهر. إنها معاناة النّفس الإنسانية مذ درجت في هذا الوجود. وما يطبع اللوحة هو وجوديّتها الباذخة، وتمركزها ما بين اللعنة وشبق التّوق إلى الحياة. فلامركزيّة الوجع تتمظهر في هذا الجو الهلاميّ، المشبّع بالرؤى، والذي يتجاوز اللوحة إلى ميتافيزيق الأنا الذّاهلة خلف الغياب. فالوجه وما يحمله من دلالة التّمركز والأنويّة يكاد أن يختصر أنا العالم بوصفه البوصلة التي تتّكئ عليها شاشة المسح البصريّ للأنا المفضية إلى كمٍّ هائلٍ من الأسرار والتّاويلات ليصبح الوجه هو المُؤول للتموّجات التي تتناوب على النّفس. والفن الحديث أعطى الوجه بعدًا تأويليًّا بات معه صراخ الرّيشة ينبئ بعاصفةٍ من التّحليلات تبدأ عند حدود الإبانة ولا تنتهي عند حدود الكّشف.
 
وإذا ما عدنا إلى الوجه (اللوحة)، نجد أنها تحاكي لوحة الصّرخة للفنان النرويجي إدفارد مونك مع فارق في أن الصّرخة هناك مكشوفة مع ما يرافقها من تموّجات وطبيعة كالحة. أمّا هنا فهي تأتي من حنجرة العدم، وتعبر دروب الزّمهرير والسّعير الجامح، والبركان المتفجّر في قاع المحو والصّمت إذ لا يُسمع لها صدىً لتكسّرها في قلب الرّماد. إنها تمثّل وجه رجلٍ عليه ملامح الخوف وأمارات الرّعب المتدفّق من لحية رماديّة، ومن وجهٍ يعبره القلق الوجوديّ، والذّعر الهويّاتي، والبؤس المتقنّع في ميلان الوجه ناحية بوصلة العطب. تطارده الأشباح واللعنة القاتلة، والرّعب والانقباض.
 
 
فيختار المواجهة غير المتكافئة محاولاً البقاء واقفًا بالرغم من انكساراتٍ في هالة الرّوح. إنها لحظة الكشف بين أن يبقى متمسّكًا بالأمل وبالحياة، أو أن يجرفه العدم الرّاقد في الطريق. هي مواجهةٌ إذًا مع الكون وحيدًا من غير ما سلاحٍ سوى الصّراخ من قلب الهاوية، أو الخوف من تكسّر سفن النّجاة، وموت الإله الحامي. فهل ربط الفنّان بين الصّرخة العميقة المرتعشة وموت الإله كما عند نيتشه، أو حاول أن يحاكي شوبنهاور في اعتقاده أن الفنّ لا يستطيع أن يجسّد الخوف لأنه أرفع منه. وبالتّالي فالجمال كامنٌ في الحريّة والطمأنينة.
 
إنها لوحة من دون ملامح محدّدة، ولا هويّة خاصّة لها. إنها تجسيدٌ ملتبس لعالمٍ عميق ومخيف ومفتوح على الهاوية. وما يخفى أكثر ممّا يظهر. إنها رأس جبل جليد الظلم والموت الذي لا رجاء بعده.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم