نوال السعداوي مناضلة شرسة في وجه الطقوس الوحشية ضد النساء والإنسان ​

خسرت الحركة النسوية علامة فارقة في ثقافتنا .هي نوال السعداوي المناضلة التي تمكنت من خلال كبريائها أن تخلق مقاومة المخرز.  هي أم الحريات والتمرد دون أي منازع.

   كل مرحلة من نضالها لها طابع ملحمي، وتوزعت جبهات نضالها الشرس على حقوق الإنسان وتحرر الفكر البشري الذي لا تتكامل فصوله إلا بتحرر النساء

بدءاً من مناهضتها الختان، التي عاشت ألمه في صغرها، وصولاً الى رفضها تعدد الزوجات.

الحرية انتصار للحياة

 

ماذا يميزها عن سائر البشر؟ بكلمتين: نوال السعداوي تهوى الحرية لأنها انتصار للحق بالحياة. ربطت خطابها عن الحرية برفضها تابوات عدة منها أي تمييز للحرية الجنسية أو حتى أي انتقاص من كرامة المثليين وخياراتهم العاطفية.

جمعت نوال السعداوي نساء عدة: الأولى المرأة، التي ناضلت ضد الختان، بصفته عملاً إجرامياً لقمع النساء. رفضت في مسيرتها الاعتداءات التي تُرتكب ضد أجساد النساء: ليس فقط ختان الإناث، ولكن أيضًا الطقوس الوحشية المرتبطة بتثبيت المجتمع للعذرية من قبل القابلات اللواتي ختنّ الأطفال في كثير من الأحيان لإثبات أن غشاء بكارة الفتاة كان سليمًا ليلة زفافها.

قمع النساء

لنعد الى ختان الإناث. قد تكون السعداوي  خير مثال لهذا القمع، الذي فرض عليها وعلى شقيقتها، إرضاء للعادات. ذكرت  في كتابها "المرأة والجنس" قصة ختانها مستعيدة لحظات مرعبة عاشت فى السادسة من عمرها يوم فرض سكين الجزار نفسه على جسدها الصغير العاري.

ذكرت أنني "كنت نائمة فى سريرى الدافئ أحلم أحلام الطفولة الوردية، حين أحسست بتلك اليد الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد، وتمسكني، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة تسد فمي، وتطبق عليه بكل قوة لتمنعنى من الصراخ، وحملونى إلى الحمام، لا أدري كم كان عددهم، ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم، وما إذا كانوا رجالاً أم نساء؟ فقد أصبحت الدنيا أمام عيني مغلفة بضباب أسود، ولعلهم أيضاً وضعوا فوق عيني غطاء، كل ما أدركته فى ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التى أمسكت رأسي وذراعي وساقي حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة، وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدي العاري، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت اصطكاك شيء معدني ذكرني باصطكاك سكين الجزار، حين كان يسنّه أمامنا قبل ذبح خروف العيد، وتجمد الدم فى عروقي، ظننت أن عدداً من اللصوص سرقونى من سريري، ويتأهبون لذبحي...".

 أكملت السيرة  مشيرة الى أنني "كنت أسمع كثيراً من هذه القصص من جدتى الريفية العجوز، وأرهفت أذني لصوت اصطكاك المعدن، وما إن توقف حتى توقف قلبي بين ضلوعي، وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشيء يقترب مني، لا يقترب من عنقي، وإنما يقترب من بطني، من مكان بين فخذي، وأدركت فى تلك اللحظة أن فخذي قد فتحا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدّ بعيداً عن الآخربأصابع حديد لا تلين، وكأنما السكين أو الموسى الحاد يسقط على عنقي بالضبط. أحسست بالشيء المعدنى يسقط بحدة وقوة، ويقطع من بين فخذي جزءاً من جسدي، صرخت من الألم رغم الكمامة فوق فمي. فالألم لم يكن ألماً، وإنما هو نار سرت فى جسدي كله وبركة حمراء من دمي تحوطني فوق بلاط الحمام. لم أعرف ما الذى قطعوه مني، ولم أحاول أن أسأل، كنت أبكي، وأنادي أمي لتنقذني، وكم كانت صدمتي حين وجدتها هى بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم، وتبتسم لهم وكأنهم لم يذبحوا ابنتها منذ لحظات. وحملوني إلى السرير، ورأيتهم يمسكون أختي التى كانت تصغرني بعامين بالطريقة نفسها، فصرخت وأنا أقول لهم لا، لا، ورأيت وجه أختي من بين أيديهم الخشنة الكبيرة. كان شاحباً كوجوه الموتى، والتقت عيناي بعينيها فى لحظة سريعة قبل أن يأخذوها إلى الحمام، وكأنما أدركنا معاً فى تلك اللحظة المأساة، مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث الذى يحدد مصيرنا البائس، ويسوقنا بيد من حديد باردة إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء".

هذا الاستئصال من جسد نوال السعداوي أو بتر عضو من جسدها، شكل حافزاً لها لتناضل بشراسة ضد ختان الإناث مدة 50 عاماً حتى تم تجريم هذه العادة في مصر في العام 2008.

هاجمت السعداوي تمرير هذا القانون إرضاء للغرب أو لتغطية العار، وليس القضاء على هذه الممارسة نفسها، لأن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ما زال عملاً قائماً بحد ذاته.

الختان والشهوة

 

المرأة الثانية في نوال السعداوي، فهي طبيبة كل من الأمراض الصدرية والنفسية التي فصلت من عملها في وزارة الصحة عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس" الذي نشرته باللغة العربية، ومنع توزيعه من قبل السلطات الدينية والسياسية، لأنه تناول مواضيع مصيرية حياتية على رأسها ختان الإناث وأثر القمع السياسي والاقتصادي على المشكلات الجنسية...".

نقلت الصحافة المصرية بقلم محمود القيعي في "رأي اليوم" كيف هاجمت "السعداوي طبيباً مصرياً عضواً في البرلمان لقوله إن ختان النساء يحافظ على الأخلاق". وأشارت إلى أنه "في هذه الأيام نرى النساء قائدات لأكبر دول العالم لم يتعرضن لعملية الختان، ويحتفظن في أجسادهنّ بالعضو المفسد للأخلاق حسب تعبيرها الساخر".

لم تكتفِ بهذا القدر، بل ذكرت أنه "مع ذلك نرى أنهن أكثر عفة من أزواجهنّ، وأكثر استقامة من نساء مختونات، وهل تنبع الأخلاق المستقيمة من بتر الأعضاء؟".

وخلصت السعداوي الى أن المخ أو العقل هو العضو الأول المهيمن على الرغبات والشهوات، مشيرة الى أن "الختان قد يؤدي الى إشعال الشهوة وليس إخمادها".

الثائرة وبعد

في وجهها الآخر، امرأة ثائرة في الحياة كما في السياسة. نجحت في السياسة لأنها تحررت من الدين وقيوده.

ذكرت الكاتبة والناشطة النسائية إفلين عقاد لـ"النهار" أن "صديقتها نوال دخلت الى السجن في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات نتيجة تأسيسها مجلة تدعى "المواجهة"، وهي منشور معادٍ للحكومة المصرية، وسجنت مرة أخرى في سجن النساء في القناطر. وبعدما خرجت منه وتطلعت إلى كتابة رواية تحت عنوان "إمرأة عند نقطة الصفر"، وصل التهويل الى ذروته عندما رفع أحد المحامين دعوى ضدها في محكمة القضاء الإداري في العام 2008 لإسقاط الجنسية المصرية عنها، إلا أن هذه الدعوىرفضت، وقامت الجماعات الإسلامية بتهديدها بالموت نتيجة محاولتها إيقاظ فكرة إزدراء الأديان".

وعرضت عقاد لـ"النهار" كيف وصفت نوال لها يوميات السجن أيام السادات، وإقامتها في زنزانة فيها نساء بعضهن شيوعيات، وبعضهن إسلاميات.

في التفاصيل، ذكرت السعداوي في أحد لقاءاتها في جريدة  "لوغارديان" يوميات الزنزانة ، وقالت: "كن يبكين طوال النهار والليل لأنهن اعتقدن أن السادات سيقتلهن، لكنني كنت واثقة من نفسي، كنت أمارس رياضة الجمباز كل صباح، رقصت وغنيت... وتمكنت من الحصول على قلم رصاص لأكتب به على ورق التواليت مذكراتي".

 

ترشحها للرئاسة

اللافت أنه "انقضت أربعة أسابيع، وفقاً لما ذكرته، ليتم اصطحابها لرؤية الرئيس الجديد". وقالت: "فجأة، كنت أمام مبارك. دعا البعض منا إلى قصره: اختار عشرين منهم امرأتان، أنا والأخرى امرأة متدينة، ظننت أنه سيتم نقلي إلى سجن آخر. لم يخبروني أنني على وشك الإفراج عني. جلس معنا لمدة ساعتين ، ثم أخبرنا أنه يمكننا العودة إلى المنزل، لكنني كنت غاضبة، قلت إنني سأقاضي الحكومة، لا يمكنك احتجاز شخص لمدة ثلاثة أشهر لم يرتكب جريمة...".

لم يدرك الرئيس الراحل المخلوع حسني مبارك أن السعداوي ستترشح لرئاسة الجمهورية في وجهه دون أي حظوظ طبعاً.

نوال السعداوي هي وجه المرأة الثائرة بامتياز، التي وإن فشلت في كسب معركة الرئاسة ضد مبارك، فهي لاقت شباب مصر وهي في الثمانين من عمرها إلى ميدان التحرير وهي تنادي معهم للثورة.

 

خسارة لا تعوض

 

ماذا عن الأديبة والزوجة والحبيبة؟ بالنسبة لعقاد، نوال السعداوي كانت ترى في بيروت ملجأ لها، قصدته لطباعة كتبها، التي منعت في مصر. قالت: "كنّا نلتقي دوماً في بيروت، باريس، مصر أو حتى في الولايات المتحدة... زرتها مراراً في منزلها في القاهرة في بيئة شعبية حيث تابعت عن كثب مسار امرأة شجاعة جداً لا تخاف إلا من عدم قول الحقيقة".

 

ماذا يميزها؟ ببساطة، ذكرت عقاد أنها تزوجت ثلاث مرات، مشيرة الى أنها "اختارت في الارتباط الأول المهنة على شريك حياتها، والأدب على الاستمرار في زواجها الثاني، فيما اعتبرت زوجها الثالث ريف حتاته، والد ابني، رجلاً حراً جداً، عاشت معه 43 عاماً، وأخبرت الجميع: هذا هو الرجل "النسوي" الوحيد على وجه الأرض".

رحلت نوال السعداوي، التي تؤمن بتكافؤ الفرص والمساواة بين الرجل والمرأة، وبتحمل مسؤولية متوازية في توفير مصاريف البيت والتربية بين الثنائي. فهل نادت نوال السعداوي بالمستحيل؟

 

Rosette.fadel@annahar.com.lb

 

Twitter:@rosettefadel

 

 

  .