لميعة عباس عمارة: أَلبنانُ شعبٌ يموت؟

زميلُنا في "النهار" الشاعر هنري زغيب أَرسَل لنا هذه القصيدة للشاعرة لميعة عباس عمارة التي تُوفيت الأُسبوع الماضي، وكان نَشَرَها لها في مجلته الشعرية المحتجِبة "الأُوديسيه" (السنة الثانية، العدد 19، تشرين الثاني 1983، صفحة 3)، وقدَّم لها كما يلي:
 
"عام 1974 كان رئيسُ الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية مَنح شاعرةَ العراق لميعة عباس عمارة وسامَ الأَرز من رتبة فارس، تقديرًا شِعرَها عن لبنان، وما سَعَت إِليه من نسْج أَواصر المحبة والصداقة بين لبنان والعراق. لكنَّ الشاعرة فترتَئِذٍ كانت في پاريس. ثم اندلَعت الحرب في لبنان، فأَبَت الشاعرة استلامَ الوسام ولبنانُ الحب والجمال يئنُّ من جراح ونار. حتى كان هدوءٌ، فجاءت عام 1979 إِلى الوطن الذي تُـحب، لتُفاجأَ حتى الدمْع بما شهِدَتْهُ فيه. وكانت هذه القصيدة التي سبَقَت استلامها الوسام عام 1980".
 
وهنا نصُّ القصيدة:
 
على أَيِّ صَدر أَحُطُّ الوسامْ ولبنانُ جُرحٌ بقلبي ينامْ
 
"مَلأْتُمُ قلبيَ قيحًا"... ملأْتُمْ عيوني دمًا وطريقي ظَلامْ
 
أَلُبنانُ هذا الذي قد عهدْتُ مجالي هوًى ومَغاني سَلامْ
 
وصدرًا على البحر رَدَّ النسيمُ عليه شَفيفَ رداءِ الغمامْ
 
وبابًا تُراح ثِقالُ الحمول عليه وتُنسى الهمومُ الجِسامْ
 
وهاتيك أَسواقُه الرافلاتُ بطِيب العطور وريش النعامْ
 
حوائط مجدورةٌ، وسقوفٌ تدَلَّت، وأَسماءُ أَشياءَ بين الرُكامْ
 
وتلك فنادقه الشامخاتُ يَمُوج نعيمًا بهنَّ الزحامْ
 
خرائبُ سُودُ الكُوى تنتقيها الأَفاعي ويهرُبُ منها الحَمامْ
 
وأُولاءِ أَبناؤُه: نازحون... وموتى... وناشئةٌ للصِدامْ
 
وأَين وُجوهُ أَحبَّايَ فيهم... لِطافُ الحديث الظِرافُ الكِرامْ
 
يُقَطِّع أَسمارَهم كلَّ ليلٍ عزيفُ الردى ودَويُّ الرجامْ
 
لقد أَلِفوا الموتَ، أَصبح شيئًا كوجْه الرغيف وملْح الطعامْ
 
وما صَدَّ عامِلَهم عن بِناءٍ... ولا ردَّ تلميذَهم عن دَوامْ
 
أَذلكَ شعبٌ يموت؟؟ محالٌ. تَموتُ الحروبُ، يَموت الحِمامْ