فسيفساء الأماكن (19): ‏لا شيء يسدّ هذا الثقب الأسود في صدري

رامي يمّين

أعتقد أنّ هذا اليأس الذي نشعرُ به في هذه اللحظة هو وعينا بأنّ كثيراً من الوحشة يكمن في أن يكونَ الفرد بلا مجتمع أو بلا بلاد.
 
‏ألمُنا سببه واحد، هو انكسار حالتنا الجماعيّة، ولذا خلاصنا كلّنا هو أيضاً واحد موحّد.
 
***

‏تجرّأ على أن تسافرَ باللحظة، ولا تحمل ماضيك معك. لا ذنب لك إن فقدتَ الذاكرة كلّها الآن، لثوانٍ قليلة فقط.
 
‏تصير خفيفاً وتشهد على جسدك يرتخي، كأنّه يتكسّر. حملت كل هذا الهمّ في مفاصلك، فصرت جامداً.

‏بالإذن من نحّاتي الأصنام، أنا مقتنع بأنّ الأصنام هم أناس من كثرة الهمّ صاروا حجراً.
 
 
***

‏لا شيء يسدّ هذا الثقب الأسود في صدري.
‏يكبر مع الوقت، فأصدّره إلى المارّة الذين ينظرون في عينيّ على الطرقات. وإلى النساء اللواتي يسحرهنّ جرحي، ويسحرني شَعرهنّ.
‏بتّ أقرب إلى الشياطين منّي إلى الملائكة.
 
***

‏أحبّ أن أنظرَ إلى النجوم وأدَعَها توقِظ أشياء بِداخلي.
‏أشعر أنّنا لا نَملِك سوى ذلك: نَنظُر إلى فَجوةٍ في الظلمة ونرى حُلُماً.
 
***

لا جدوى من أن تطلبَ الحياة ما دمتَ لا تعيشها.
‏عِشها، فيطلبها كلّ كيانك من دون إذنك، وتنفتح كلّ النوافذ.
 
***

‏ستمرّ هذه اللحظة وأنت أبشع من أن تفرح بها.
‏ستكرجُ موسيقى قربَك ولن تعرف إن كانت تحمل فرحاً.
‏ستنظر إليكَ امرأة، ولن تقطف أزهار الحياة من شَعرها.
‏وتقع أرقام في بالكَ من دون أن تجمّعها، فيبقى الرقم بلا عائلة.
 
‏لماذا تعيش إذا؟ لن تتمكّن من شيء حقيقيّ الآن غير البكاء.
 
***

‏عزلتي ليست حزناً. هي انتظاري الدائم لتلك اللحظة السحريّة.

*** 
 
‏الكتابة هي عندما أُفْرَغُ من الآخرين ويبقى أن أَفْرِغَ من نفسي.