الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إيتيل عدنان بكلمات محبّيها... روح دفّاقة أنكرت الحواجز ووسعت العالم

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
إيتيل عدنان في شبابها.
إيتيل عدنان في شبابها.
A+ A-

عاشت إيتيل عدنان شغفها بالرّسم والشّعر والكتابة حتى الرّمق الأخير، وتوفيت عن 96 عاماً حيث صدق إلهامها:

"لو كانت  باريس سمّاً قاتلاً

لشربت منه جرعة كبيرة بكلّ سرور

ولأنهيت حياتي"

صباح السبت المقبل، سيحتضن تراب "باريس عندما تكون عارية" جثمان المرأة الاستثنائيّة التي عبرت الفنون والبلدان، وتنقّلت بين باريس ونيويورك، وبيروت، التي بقيت آلامها لصيقة بقلب إيتيل طوال حياتها، وخصّتها بروايتها الوحيدة "ست ماري روز" (1978).

وإذ نَعَتْها الصحفُ والمنصّاتُ الثقافية في لبنان والعالم العربي والدول الغربية، بما فيها فرنسا، التي وجّه وزير ثقافتها السابق جاك لانغ ورئيس المعهد العربي في باريس تحيّة إلى روح الفنّانة "الشاعرية والملوّنة"، لم تحظَ إيتيل عدنان بأيّ لفتة لبنانيّة رسميّة عزاءً أو وقوفاً على سيرتها العظيمة، التي كرّستها للرّسم والنّحت والشّعر والمقالة والرواية والمؤلّفات المسرحية، ورفعت اسم لبنان عالياً بعدد من الجوائز هي: نيشان الفنون والآداب الفرنسي من رتبة فارس، وجائزة لامدا الأدبية، وجائزة جوزفين مايلز الأدبية لنادي القلم الدولي في أوكلاند، فضلاً عن مشاركتها في حملات دعم لبيروت بعد الانفجار الهائل الذي ألحق به الدّمار، قائلة إن "الرّد الوحيد على الهمجيّة" يكون بـ"مزيد من التصميم على الثقافة".

عند وفاتها، كان الرّد اللبناني الرسميّ اللامبالاة.


 

المعروف عن إيتيل عدنان أنّها تمقت الشكليّات و"البرستيج" والتملّق. "عشت معتمدة على إمكانيّاتي الخاصّة، ولهذا أنا نهر". لغتها لا تشبه اللغات الخشبيّة التي لا معنى لها في فضاء الثقافة حين يُمسك الزمام من لا يَعنيهم الأمر. لكن وفاتها سيّلت، وستسيّل كثيراً من الحبّ عن إيتيل عدنان. وقد اختارت "النهار" من جوانب إيتيل الفنانة - الإنسانة بلسان أصدقاء في مجال الثقافة يستعيدون ذكراها على صفحتنا:

رفيف فتوح (كاتبة وشاعرة) وزوجها وليد شميط (كاتب وناقد سينمائي وإعلامي)

ماذا يمكن أن نقول عن الفنانة والشاعرة المبدعة والمثقفة الكبيرة إيتيل عدنان، وقد جمعتنا بها صداقة امتدّت سنوات طويلة، عرفنا خلالها إيتيل الإنسانة الرائعة، المميّزة بفنّها وشعرها واهتماماتها الأدبية والثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وبتشجيعها للأدباء الجدد. وقد لمسنا هذا كلّه عملياً من خلال ترحيبها اللافت بالكاتبة الناشئة آنذاك رفيف فتوح، حين كتبت مقالاً في صحيفة "لوريان" حول كتاب رفيف "بيروت الأزقّة والمطر" في أوائل السبعينيّات.

 

وإذا كانت إيتيل قد كتبت باللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، إلا أنّها أحبّت كثيراً اللغة العربيّة، وكثيراً ما كانت تقول "أنا أرسم باللغة العربية"، ولم تغب عنها وعن أدبها وفنّها الهموم العربية من الجزائر إلى فلسطين وسوريا ولبنان، ومشاغل المظلومين في العالم عموماً.

عاشت إيتيل عدنان حياة غنيّة جدّاً، عرفت خلالها ثقافات ولغات وبلداناً مختلفة، وتفاعلت معها على طريقتها بفنّها وشعرها وخيارات حياتها.

 

أندريه صفير-زملر (مؤرّخة فنيّة ومالكة غاليري صفير-زملر)

"إنه لأمر عظيم الشرف ومجزٍ للغاية أن ألتقي إيتيل عدنان، وأن أكون قادرةً على تمثيلها والعمل معها وجعل فنّها البصري معروفاً في جميع أنحاء العالم. في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دعوتها إلى العرض في غاليري في بيروت، وقمنا بتنظيم أوّل معرض لها في العام 2010. كان ذلك أجمل تعاون، ونحن نعمل معاً منذ ذلك الحين، وننظّم المعارض في فضاءاتنا في بيروت وهامبورغ وفي المتاحف حول العالم. كانت إيتيل خفيفة، نابضة بالحياة، والجمال، والكرم: فنّانة عالميّة! أنا محطّمة القلب وسوف أفتقدها كثيراً؛ لكنّنا سنتذكّر دائماً كرمها الهائل ولطفها وحكمتها. في هذه الأوقات، بالنا مأخوذ إلى سيمون فتّال التي شاركتها الجزء الأفضل من حياتها".

 


ندين بكداش (صاحبة غاليري جانين ربيز)

إيتيل، الصديقة المخلصة

كانت صديقة حميمة لجانين ربيز، وقد التزمتا معاً مبادئ عديدة كالحرية، والكفاح ضد اضطهاد الشعوب، والحروب، والظلم. وهذا الولاء لروح جانين جعلني إنسانة محظوظة بما يكفي للاعتماد على صداقة إيتيل.

كنت مؤخّراً في باريس، وقمت كالعادة بزيارة إيتيل.

تحدّثنا عن كلّ شيء، الفن، المعارض، الفنّانين الشباب اللبنانيّين، وخاصة عن لبنان ومستقبله.

كان لبنان دائماً موضوعنا الأساسيّ والمحوريّ. عاشت إيتيل وفي قلبها وعقلها مشكلات البلد وأوجاعه ومصائب وهموم شعبه التي تتبعها بألم وحزن دفين.

إن ذاكرتها الحادّة، ونضجها الكبير، وعمق ثقافتها ومعرفتها تجعل من التحدّث معها محادثة رائعة. أتعلّم منها أشياء جديدة في كلّ زيارة إليها، وتفتح عينيّ على القضايا الرئيسيّة في هذا العالم، خصوصاً في مجتمعنا العربي.

كانت دائماً تشجّعني على مواصلة دعم الفنانين اللبنانيين من جيل الشباب. وقد أثنت على عمل غادة الزغبي لدرجة أنها اشترت لوحة لتتبرّع بها لمتحف سرسق. ماذا يُمكن أن يكون أكثر سخاء من هذه البادرة؟

هذه هي إيتيل عدنان.

رحلت إيتيل، وأخذت معها ألوان لبنان وشمسه وقمره وجباله...سأفتقدها كثيراً.


ندى بولس (خبيرة المزادات الفنية)

أكثر ما لفتني من أعمال إيتيل عدنان تصاميم الـ"ليبوريلو"، وهو كتاب يُمكن طيّه على شكل أكورديون مرسوم عليه بالحبر الصينيّ مع أشعار. وقد يتراوح طول العمل الواحد من ثلاثة إلى ستة أمتار.

هناك من يعتبر إيتيل عدنان بالأساس رسّامة، ثمّ شاعرة، وبعض آخر يرى أنها التحقت في مرحلة متأخّرة بمجال الكتابة. أعتقد أنّ شخصيّتها الغنيّة هي التي تحتوي كلّ هذه المواهب في إنسانة واحدة.

وكانت إيتيل عدنان منشغلة بالوضع العربيّ واللبنانيّ على وجه الخصوص، وتلاحق كلّ تفاصيل الوضع السياسي في قراءة الجرائد.

 لفتني في اللقاءات القليلة، التي جمعتني بها، ذكاء إيتيل عدنان الخارق. لا أتصوّر أنّني سألتقي في حياتي كلّها بإنسان على هذا النحو من الذكاء المتّقد والوعي لكلّ شاردة وواردة كما احتفظت به إيتيل حتى آخر أيامها.

تناولت العشاء معها مرّتين في بيتها بباريس، مع صديقتها هلا وردة، وهي مهندسة معمارية اهتمّت بإنشاء جناح لبنانيّ في معرض بينالي الدوليّ للعمارة.

وفي أحد المزادات العلنية ببيروت في العام 2017، فيما كنت أبيع "ليبوريلو" من تصميم إيتيل عدنان، أصرّ الشخص الذي اشترى العمل الفنيّ، وهو سويسري الجنسية على التعرّف إلى إيتيل عدنان، فواقفت الأخيرة من دون تردّد، واستقبلته في بيتها، وكانت على قدر إعجاب وتوقّعات من رغب في لقائها، وكان ملمّاً بعمق بفنّ إيتيل عدنان وأراد اقتناء "ليبوريلو" لإيتيل، فاشتراه لقاء 40 ألف دولار علماً بأن المزاد بدأ بـ22 ألف دولار.

وأخبرتني إيتيل عدنان ذات يوم بموقف جميل عاشته حين تواصل معها القيّمون على معرض "دوكومنتا 13" في العام 2012، بعد شوط متقدّم من مشوارها الفني. أصرّت مصممّة المعرض على عرض أعمال إيتيل عدنان، فسافرت إلى بيروت، حيث حضرت أحد معارضها الفنية، ثمّ التقتا في أوتيل "مونرو"، الذي قصدته إيتيل (86 سنة آنذاك). حين عرضت عليها السيّدة المشاركة في المعرض، بقيت إيتيل صامتة لدقيقتين لشدّة دهشتها، فظنّت السيدة أن خطباً ما أصاب إيتيل أو أنها ترفض المشاركة، فأجابتها "أنا متفاجئة. لا أصدق ما تقولين". كانت شديدة التواضع. يحتفظ قلبها بدهشة الطفولة، بالرغم من سنواتها المديدة وكلّ الإنجازات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم