الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مارون الحكيم "بالفنّ أحيا": مغامرة العمر في مجلّد ضخم بثلاث لغات

المصدر: "النهار"
"بالفن أحيا".
"بالفن أحيا".
A+ A-
جان م. صدقه


فاجأني مارون الحكيم، النحّات والرسّام، بكتابه الجديد الأنيق الضخم (650 صفحة من الحجم الكبير) قلبًا وقالبًا، إن من ناحية الشجاعة الكافية لنشر كتاب مكلف جدًّا من الناحية الماديّة في هذه الظروف العصيبة، أم لناحية الشجاعة اللازمة للاختيار بين أعمال فنيّة نفّذها بين 1966 و2020. ويبدو أنّه خطّط جيّدًا لهذه المهمّة غير السهلة على الاطلاق، ونجح بتوثيق عمر من العطاء والابداع، متألّقًا بعنوان عريض للكتاب هو "بالفنّ أحيا ــ مسار مارون الحكيم الفني والحياتي"، يروي سيرة حياته بالعربية والفرنسية والإك;ليزية.

استغرق اعداد الكتاب الجميل سنوات عديدة جمع فيه الحكيم مادته الوافرة من المعارض الفردية والجماعية في محطّات تشكيليّة راقية، تُزيّنه صور الأعمال من لوحات ورسوم ومنحوتات بالألوان، وتغمره نصوص وشهادات أعقبت المعارض أو تزامنت معها لأبرز المحطات والمراحل، بعضها بأقلام نقاد وشعراء، وبعضها كتبها الفنان بقلمه حول فلسفته في الحياة. وقد بلغ عدد صور اللوحات والمنحوتات أكثر من 1100، جرى إخراجها بعناية كبيرة كي تضيء على المضمون في كل عمل، والهدف إعطاء صورة شاملة عن مارون الحكيم الفنان والرسام.


النحت والرسم في مغامرة واحدة
مارون الحكيم نحّات ورسّام في الوقت عينه، وهو عمل لهذه الموازاة بين الرسم والنحت، وسعى جاهداً لأن يمزج بينهما. ومن نتائج هذا المزج ولادة اللوحة المحفورة والقماشة المنحوتة، فقفز بفن اللوحة المنحوتة من حدود اللوحة في شكلها المسطح، ورفع في تقنيته تلك النتوءات داخل مساحة اللوحة، وحفر الأحجام على الأسطح الملساء والملونة. وهو أول من ابتكر اللوحة المنحوتة عارضاً نماذجها في 1979. أما دراسته لفن السيراميك، فقد علمته الدمج بين الشكل واللون والحجم، فأدخل اللون على الحجم. لكنّ نزعة النحت تبقى طاغية في لوحته اللونية.


مراحل الاحتراف
يستهل الكتاب بمرحلة أولى هي "البدايات"، تمتد من 1966 الى 1971، وهو في الحادية والعشرين، حيث راح الشاب يكتشف مواهبه الفنية بأعمال نحتية أولى في خلال تلك الأعوام. ثمّ بدأت المسارات الاحترافية لديه. في المسار الاحترافي الأول (1977 -1982) تغلب على اعماله تأثيرات الحرب اللبنانية عبر ابتكار اللوحة المنحوتة. في المسار الاحترافي الثاني (1980-1990) انتقل الحكيم الى تجربة "القماشة المنحوتة" التي تمظهرت في لوحات تحت عنوان "ملحمة الأرض والشهادة". في المسار الاحترافي الثالث (1990-2000) ثبّت الحكيم مسيرته الفنية حين بنى منحوتات تجسد الحرب ووجه الإنسان الرافض للحزن والصارخ إلى التحرر. في المسار الاحترافي الرابع (2000-2010) ترسخت مكانته العالمية رسماً ونحتًا، فأحكم مغامرته الفنية في رؤية متكاملة مفعمة بالمشاعر والاحاسيس المشرعة على الضوء، على حد قوله، بما يعنيه ذلك من شراكة بينه وبين الطبيعة بعناصرها ومناظرها. في المسار الاحترافي الخامس والأخير (2010-2020) يتجه الحكيم نحو الروحانيات حيث تمزج أعماله اللونية بين الإشراقية والانطباعية والسوريالية والرمزية، لا بل نلحظ تفجّرًا لونيًّا رائعًا في لوحات الصلب والجلجلة وغيرها.


كأنّ هذا الكتاب الضخم المفعم بالشغف يؤكد أن الحكيم المؤمن لا بد أن يبقى متعلقاً بفكرة الخلاص من العصفورية اللبنانية بواسطة الابداع الجمالي. والاهم ان الفن هو منقذه الوحيد من الالم الوجودي. وهذا الكتاب هو علاج روحي لجنون الواقع اللبناني الذي تسببت به هذه المنظومة الحاكمة النتنة.


لن أنسى تلك اللحظة الفرحة وهو يقدّم لي كتابه والابتسامة تعلو كلّ جسمه. في النهاية، قلّة من الناس يعرفون كيف ينتصرون على العمر كمارون الحكيم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم