الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

100 عام من الآثار الفرنسية-اللبنانية... "بحوث المستقبل" وكنوز المكتبة الشرقية في الـESA

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
من النقاشات. (تصوير حسن عسل)
من النقاشات. (تصوير حسن عسل)
A+ A-

نظّمت السّفارة الفرنسيّة في لبنان والمركز الفرنسي في لبنان أول أمس الثلثاء يوماً بحثياً بعنوان "بحوث المستقبل"، وذلك في المدرسة العليا للأعمال في بيروت ESA.

تمحور البرنامج حول نتاج العلاقات بين فرنسا ولبنان في مجال البحوث. وتدرّجت المقاربة من الجهود المشتركة في علم الآثار والتنقيب عنها في لبنان وهي ترقى إلى مئة من الأعوام أو قرن من الزمان، وصولاً إلى عرض بحوث جديدة مدعومة من فرنسا، طوّرها باحثون لبنانيون بهدف اقتراح حلول لعدّة قضايا في زمن الأزمة اللبنانية.

وجمع هذا اليوم أكثر من خمسين متحدّثاً جامعياً من فرنسا ولبنان، من باحثين وطلاب دراسات عليا مع جهات فاعلة اقتصادية.

بموازاة النّقاشات والعروض، خصّص المعهد مساحة لمعرض صور "مواقع وآثار لبنان"، بالتعاون مع مركز الوثائق الفوتوغرافية في المكتبة الشرقية التابعة للجامعة اليسوعية.
في البدء، كلمات افتتاحيّة لسفيرة فرنسا في لبنان آنّ غريو، وللأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة، ولوزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، ثم تدرّج اليوم البحثيّ ضمن ثلاث طاولات مستديرة.

بين الآثار والصّور
 

تطرّق النقاش الأول "100 عام من الآثار الفرنسيّة-اللبنانية، وماذا بعد؟" إلى 100 عام من التعاون الفرنسي-اللبناني في علم الآثار، كان المعهد الفرنسيّ للشرق الأدنى (IFPO) في ذلك المحرّك الأساس، وشكّلت انعكاساً للحوار غير المنقطع بين البلدين، بالرّغم من الضّرر الّذي لحق بمجال البحوث والتنقيب عن الآثار، بل الآثار بذاتها، بسبب الحرب الأهلية. وسلّط النقاش الضّوء على الدور التقدّمي للآباء اليسوعيين خلال بعثاتهم، أمثال روزنفال، وجلابيرت، وموترد وبواتبار الذي كان له الفضل في ولادة مفهوم التصوير عبر الأقمار الاصطناعية.
اللافت أنّ هذا التعاون يسّر أعمال تنقيب عظيمة في جبيل وبعلبك وطرابلس، كان من شأنها تغيير الوجه الأثري المشرقيّ، ثمّ أسّست لحقبة ذهبيّة في علم الآثار لمعت خلالها أسماء كبيرة من دونان حتى الأمير موريس شهاب مروراً بهنري سيريغ ورينيه دوسو.
واستعرضت هذه الفقرة سبل التعاون في المجال البحثي، من خلال برامجِ منحٍ ومراكزِ بحوثٍ وجامعاتٍ فرنسية وغيرها من الفرص التي توجّهها إلى طلبة الدكتوراه اللبنانيين.
وتحدّث في هذا المحور كلٌّ من مدير
مركز الوثائق الفوتوتوغرافية في المكتبة الشرقية في الجامعة اليسوعية ليفون نورديغيان، والمدير العام للمديرية العامة للآثار سركيس الخوري، والباحثة في علم الآثار والأنتروبولوجيا جويس نصّار، والباحث الأكاديمي في التاريخ المسيحي البروتوبيزنطي والإنطاكي فريدريك ألبي.
تلا هذا المحور افتتاح معرض "مواقع وآثار لبنان"، بحضور رئيس جامعة القدّيس يوسف الأب سليم دكّاش، الّذي وجد في المعرض "باكورة  نهوض المكتبة الشرقيّة بعد الأضرارٌ البليغة التي أصابته في انفجار 4 آب، وتحيّة لجهود الآباء اليسوعيّين، وذكرى لمن ساهموا في القرن التاسع عشر في كشف النقاب عن هذا الإرث الجميل، الذي نملكه في منطقة الشرق الأدنى؛ ووسط الآلام والمصاعب التي يمرّ بها لبنان، ثمّة إصرار لنا على الصّمود والعيد".


من معرض "مواقع وآثار لبنان" (حسن عسل).

وتضمّن المعرض صوراً من مواقع لبنانيّة ومدن وأقضية، منها بيروت ونهر الكلب وقرى في جبل لبنان والمتن وكسروان والبقاع والهرمل والجنوب وعكار.
وكانت المواقع المصوّرة شدّت انتباه علماء يسوعيين من أول المهتمّين بعلوم آثار المنطقة. وترجّح المصادر أنّ أوّلهم كان بوركنو، فيما اعتُبر زوموفين الشّخص الذي فَتح على لبنان أبواب دراسات ما قبل التاريخ، وأغلبيتهم تلقّوا إعداداً دينيّاً وكلاسيكيّاً حول الحقبة الإغريقية - الرومانية واللغات والديانات القديمة.
أمّا جالابير فاهتمّ بـ"النقوش اليونانية واللاتينية حول سوريا"، ونشر منها ستة أجزاء متعاوناً مع موتيرد.


من معرض "مواقع وآثار لبنان" (حسن عسل).

ويعطي المعرض لمحة عن زمن "الكلية الشرقية" (1902-1906) و"خلطات الكليّة الشرقية" التي شُكّلت لها هيئة نشر لامعة، صارت منذ العام 1929 "خلطات جامعة القديس يوسف". هذه الأخيرة أنشأت إطاراً مؤسّساتياً للبحوث اليسوعية في بيروت.  

وسعى الآباء اليسوعيّون في ذلك الوقت إلى تصوير هذه الاكتشافات المهمّة في جولاتهم حول مختلف المواقع في الشرق الأدنى، فكانوا يعودون مع حصاد من الوثائق الفوتوغرافيّة المحفوظة إلى يومنا هذا في المكتبة الشرقية.

ويحضر السؤال: كيف يلتقي الماضي بالمستقبل في يوم؟

تجيب "النهار" الدكتورة تمارا الزين، مديرة  البرنامج الوطني لمنح الدكتوراه في المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، المتعاونة الأساسيّة في تنظيم "بحوث المستقبل"، فتقول "يجب ألّا يغيب عن أذهاننا، ونحن نطّلع على رحلة التنقيب عن الآثار في لبنان، أنّ للأبحاث العلميّة والتقنيات الحديثة دوراً في تطوير عمليات التنقيب وجعلها أسهل. كما أنّ الأبحاث الجديدة تساعد على إيجاد سبل لحفظ الآثار وتسليط الضوء عليها، ويجب أن تصبّ جهود الباحثين والداعمين ضمن هذا التوجّه حتى يرتبط الماضي بالمستقبل".

ويفترض في "تدخّل عدّة تخصّصات في تناول الآثار في لبنان، لأننا نعيش في زمن التخصصات المتعددة والعابرة"، و"أعتقد ألا غنى لنا عن الأنتروبولوجيا الّتي تدرس الجانب الانساني، لأنّ هذه الآثار أمّنت مجالاً لتعاقب وتطوّر مجتمعات إنسانيّة".

 هذه النّظرة تقود إلى الحديث عن المحور الثاني: "صحّة واحدة مستدامة، مخاطر صحيّة، تحدّيات وبحث في لبنان"، الّذي يتّبع مفهوماً عالمياً جديداً هو "صحّة واحدة"؛ وهو أنّه في "مقاربة التخصّصات المتعدّدة والعابرة لا نستطيع فصل صحّة الإنسان عن الحيوانات والنبات. وإحدى النظريات الحديثة في علم الأوبئة تقضي بأنّ المنظومة البيئيّة الواحدة تحمل نفس الأوبئة للحيوان كما للإنسان. والأخير عندما يغزو مساحات الغابات أصبح على تماس مع أمراض عادة ما يعانيها الحيوان، وقد تنتقل إليه مع الوقت. السؤال المطروح، الذي أجاب عنه الباحثون هو أين لبنان في هذه المقاربة؟".

وأخيراً، أبرزت فقرة "لو-تيك، هاي-تيك، أيّة ابتكارات لأجل الغد؟" اهتماماً واضحاً لفرنسا بتطوير البحث اللبناني ومعالم التعاون في آفاق مستقبليّة. فقد "رصدت
Action Liban و ANR في فرنسا نحو مليون و200 ألف أورو، اقتُطِع للبنان منها 450-500 ألف أورو، ما يُشكّل مبلغاً أكبر من ميزانية المجلس الوطني للبحوث العلمية نفسه". 

ودعم
R3 Liban و AUF مختبرات وبحوثاً بمبلغ 120 ألف أورو، بالإضافة إلى برنامج "سيدر" الذي يهتمّ بسفر وتنقّل الباحثين بين البلدين.

وتعمّد الباحثون الشباب إرساء "مفهوم المساواة والعدالة في منظومة الابتكار الراهنة، لا سيما في لبنان، حيث شكّلت الأزمة محفّزاً للباحثين في تتبّع ظواهر وصوغ إشكاليّات، فتمخّض عن ذلك ستة مشاريع في مجالات متباينة، من بينها الشّركات وتلوّث الهواء ومخاطر الزلازل في لبنان والصحّة النفسيّة وكورونا"، و"أكّدت هذه المشاريع فرضيّة أنّ العقل البشري أهمّ مورد يساعدنا على تخطي تحديات العالم. فالأفكار تعتمد على تكنولوجيا بسيطة (لو-تك) ولم تحتج معامل ومختبرات وموادّ بميزانيات ضخمة".

وتختم الزين بأن "بعض الأبحاث جاهزة، وبعضها في طور التّطبيق"، غير أنّ الثّابت في ما بينها هو "أنّ المؤسّسات الرسميّة المعنيّة في لبنان لا تدعم ولا تُولي اهتماماً لأيٍّ من هذه البحوث"؛ الأمر الذي ليس مستغرباً في مشهد الانحطاط العام اللّبناني.




 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم