الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أحلام متسلّلة إلى واحات أرواحنا البائسة

المصدر: "النهار"
أحلام متسلّلة (لوحة لريم يسوف).
أحلام متسلّلة (لوحة لريم يسوف).
A+ A-
 
عبد المجيد محمد خلف، روائي وناقد- سوريا

وحده يمتدح الأماكن كلّها بحثاً عن ملاذ آمن للهاثه. يتوارى خلف الظلال، خلف الكائن الذي استفاق منذ زمن بعيد على حمل ثقيل يطأ بأقدامه ظهره العاجز. من أين أتاني هذا الثقيل؟ ويسأل أيضاً: لماذا يمضي ممسكاً بتلابيب روحي ليلَ نهار؟ يقترب من الظهيرة، يرسم ملامحها المتعبة في كل الوجوه صيفاً، فيكون الأنين سيد الموقف في تلك اللحظة...
 
وحده يمتحن كل الأماكن، يقلب الأشياء ظهراً على عقب، لتصطفق الأبواب خلفه في محاولة أبدية للعودة عبثاً. هي الشمس إذاً من يستطيع محو ذاكرته من الوجود، فينحسر عبر البحر، وينحسر من الدروب كلّها يتيماً. يبقى في ركن بعيد، حين يفتح له صدر الرحيل مساءً بشفاه من حقيقة ليفقد نسله يوماً بعد يوم، هذا الثائر نحو العدم، كما الكائن، تختصر خطواته شيئاً فشيئاً.
يعقد مع التراجع هدنة وسط تصفيق عاصف. تتزاحم الأفكار في ذاكرته المتعبة، ومع كل هزيع لليل يقف متأهباً ليلبس عباءته الصيفية، ويخرج سائراً في فجاج الأرض نحو كل مجهول. لكن المساء ينتظره، متقلداً سيوف الرهبة، سيسلم زمناً ليعود آخر، فيعود الكائن ذاوي الجفون، مقوس الظهر، ضائعاً مرة أخرى في أرض ضائعة، يقتفي أثر ظله...
 
أثر على أثر، ولصّ يتأهب لسرقة خزائن لص آخر. هي المشيئة إذاً تضرب بيد الريح كل تلك الحصون لتستضيفه وسط جمهرة سكارى، فيستطلع أخباراً عن فريسين رحلوا، وماضياً جلجل فيه الجنون، وأرضاً سالت فيها الدماء بنصال لا تعرف السكينة.
 
هو ذا ظلك سكران، كفّ عن ملاحقته عبثاً. هو الحقيقة، هو أنت، وأنت هو، ليل مجنون يلاحق أحدكما صاحبه في مستنقع نتن، يحمل كل منكما خيمته ويرحل بعيداً من هذا السكون المُصاب بألف طعنة من أحلامكما المتسلّلة عبر كل الثقوب إلى واحات أرواحنا البائسة.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم