محمود شريح


زاهر العريضي في ديوانه الجديد شيفرة لعوالم أُخرى (دار نلسن 2023، غلاف أنيق لإيهاب أحمد، في 142 صفحة من القطع الوسط) يحملُ قصائده العتيقة في ليلة باردة ويطعمُها للموقدة لإدراكه أنّ قصيدته الأخيرة لابنته أجدى أن تكون عن بلاغة الدفء. بهذه الانقلابية الناعمة تهمس قصيدة زاهر العريضي، معترفاً بأنّ كلماته حقائق جارحة وأنّ الواقع دون حُلم لهو الجحيم عينه، مشيداً بعهد البراءة الأولى:

قلبك
المكان الواحد الذي ستعود إليه لتشعر بالسكينة،
قلبك
ولو ذاب الثلج
يبقى وحدَه الأبيضَ

والشاعر العريضي شعارُه الفعلُ وليس القولُ، فهو واعٍ لما آلتْ إليه حال المدينة، وعليه فهو يتنفّسُ الخوفَ ويقفُ خلفَ وجهه مهزوماً.

وانتقاماً من إفلاس بلاد ونهاية ثقافة يقرُّ العريضي بمأساته إلّا أن فرحه يضيء بمولد صغيرته تالا منذ ثلاث، وإن كان يعلمُ علمَ اليقين أن العاقبة وخيمة:

وماذا غداً؟
أكثرُ من جوع
وأبعدُ من انتحار
وماذا، وماذا غداً؟
أملٌ بلا ميعاد
وأُفقٌ بلا بلاد

إذن عزاؤه الشِّعر يجدُ فيه ضالّته، أوليست هذه وظيفة الشّعر: الإمساك بنجمة وترتيب فوضى النفس؟

يتأرجحُ الشاعرُ في ديوانه بين قطبين: مخيِّلةٌ قيدَ التكوين وخذلانٌ يلاحقُ نصّه، لكنه مُعافىً في رؤيته إلى أن الحياة غنىً بتنوّعها:

حين أكونُ وحيداً،
أجمعُ كلّ من أُحبّ حولي.
أدعوهم إلى مائدتي المثيرة،
وأعترف لهم
كم أنا سعيد لوجودهم قربي.
أفهمُ أكثر ماذا يدورُ حولي.
أرسمُ العالمَ من بعيد

والعريضي في قصائده هنا يوازيها أيضاً نثرُه هنا في مقطّعات وجدانية تعبقُ بنسائمَ فلسفيّة، ولا تخلو من سردٍ يجنح إلى سريالية مغرقة في الرمزيّة.

زاهر العريضي من جديد يأخذُنا إلى عالم حالم وإن التفتَ أحياناً إلى شظف العيش.