السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

غادة السمّان... "لم تعد تنطلي اللعبة على أحد"

المصدر: "النهار"
غادة السمان.
غادة السمان.
A+ A-
عايدة جاويش- سوريا
 
"عارية القدمين تسللتُ إليك، قررت أن أعالجك بقبلة على عنقك من الخلف أجرك بها إلى السرير. ببطء أخرس كنت أتحرك وراءك. وقفت، وقبل أن أنحني بقبلتي، صعقني المشهد".
أجواء رعب مشحونة بالتوتّر تصنعها الكاتبة غادة السمان بقصتها "فزاع طيور آخر". صوت مواء القطة المكلومة يملأ المكان، ومطر لم ينقطع من أول القصة حتى نهايتها، وفزاع الطيور صامت يراقب كل شيء من الحديقة.
 
بطلة القصة رسامة تزيّن جدران مرسمها بلوحات الأطفال، تمرّ بأزمات وتوترات نفسية شبه مستمرة.
 
منذ أيام وضعت قطتتها المدللة خمس قطط صغيرة. بكل بساطة فتحت النافذة ورمت الصغار من النافذة، واحدة تلو الأخرى من مرسمها، فظلّ "مواء القطة الملتاعة لا ينقطع". منذ بداية القصة، وحتى نهايتها، وفزاع الطيور مغروس في الحديقة بلا حراك.
 
"زوجها" قاضٍ، هو صامت دائماً حتى تظنّ أنّه يُجري حديثاً سرياً مع فزاع طيور الحديقة، بعدما تكتشف زوجته سره، فهو يصدر أحكام المتّهمين على أساس الصدفة وبطريقة عشوائية من دون أي دليل، ويكتفى باختيار أحد القصاصين: "مذنب - بريء".
 
زوجته التي كانت تتوقّع بأنّ في قاع صمته بحوراً عميقة، لكنها لم تجد شيئاً، لذلك تقول: "اللعبة لم تعد تنطلي عليّ بعد الآن".
 
عاملة المنزل تدفع بطنها أمامها متدحرجة في الردهة، حامل في الشهر التاسع، تطلب المساعدة وتروح في شبه إغماءة.
 
تتجنّب الرسامة صراخها وتدخل غرفة زوجها، تخرج ورقة بيضاء تقطعها إلى نصفين، تكتب على الأولى "أحضر الطبيب"، وعلى الثانية "لن أحضر الطبيب"، تطويها وتخلطها، ثم تسحب. تفتحها تقرأ: "لن أحضر الطبيب". ترتدي ملابسها بهدوء وتغادر المنزل، فهي الحاكم المطلق الآن، قائلة: "فلتضع طفلها لوحدها".
 
في خضم التوترات الروحية والنفسية الشديدة، تتحول البطلة لفزاع طيور آخر يراقب الأحداث من بعيد بعينين مفقوعتين كصمت روح أكلها الصدأ.
 
وها نحن بشكل تدريجيّ، نصبح فزاعات طيور. نلبس الخيبة اللامعة رداء يغطي حياتنا التي فقدت عمقها وصيرورتها الطبيعية. هنيئا لنا، فكلنا لم تعد تنطلي علينا اللعبة.

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم