في مخاطبة جمهور الرابع من آب

ما جرى أمس، في وقائع السياسة اللبنانيّة الرسميّة، على مستوى الدعوة الدستوريّة إلى إجراء الاستشارات النيابيّة الملزمة، والتسمية، فالتكليف، ليس من الخيال في شيء. علمًا أنّه غير قابلٍ للتصديق وطنيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وانسانيًّا و... اخلاقيًّا، بالمقارنة مع ما هي عليه وقائع الحياة الممعوسة والقتيلة، حياة الناس، وحقوقهم، ورغباتهم، وأحلامهم، وطموحاتهم المضرّجة.

هذا الواقع (الرسميّ) لا يعنيه في شيء ما يعانيه الناس في واقع عيشهم على الأرض.

هو ضدّه. عدوّه. ولو استطاع، لرماه برصاصة، أو لأخمد أنفاسه بمخدّة، تحت جنح الليل.

أنا أسمّي ذلك وقاحةً، وأهمُّ – لولا بقية من تحفّظ – باستخدام ما يستخدمه غيري من الذين "طلع دينهم"، وما عادوا يجدون حرجًا في استخدام عباراتٍ من "الزنّار نازلًا"، تعبّر عن (المعرصة) الرسميّة السياسيّة البلا حدود.

لا حدود لوقاحة الطبقة السياسيّة. لا حدود لوقاحتها على الاطلاق. كلُّ مَن فيها، من كبارهم إلى صغارهم، جميعهم مستعدّون لتمريغ الجبين، وتعفير الرؤوس في التراب الوسخ. جميعهم متأهّبون ومتحفّزون لتعويم بعضهم بعضًا، ولزركشة المظاهر، بل لارتكاب ما لا يُرتكَب من الفواحش، من أجل لفلفة الوقائع، وطمسها، ضمانًا لبقائهم في السلطة، وتأمينًا لديمومة طبقتهم السياسيّة المجرمة.

الناس يريدون خلاصًا وانقاذًا وتغييرًا ووضعَ حدٍّ نهائيّ للفساد والسرقة والقتل.
الطبقة السياسيّة لا تريد إلّا نفسها.

خسئ الناس، بل خسئ لبنان، تقول هذه الطبقة السياسيّة لنا، من خلال ما جرى أمس.
الخيال محدود، ساذج، ومعتّر أمام "عبقريّة" الذين يتولّون إدارة الواقع السياسيّ. حتّى لأجدني أقول متسائلًا: أليس هذا الواقع أوسع من الخيال، وأبعد، وأعمق؟ ولِمَ لا: أدهى، وأشرّ؟
أمام هذه الوقاحة السياسيّة المتمادية، قد يقول قائلٌ، على سبيل السخرية السوداء، لِم لا "يسرق" الفنّانون والأدباء عدّة التحليق من هذا الواقع (السياسيّ)، لا من الخيال، ويوظّفونها، ويطوّرونها، وينمّونها، ليجعلوها تبدو – لاستحالة تصديقها – أنّها ليست من الواقع في شيء.
ما أكتبه ليس تنظيرًا أدبيًّا، أو ثقافيًّا، أو افتراضيًّا، أو أسطوريًّا، أو خرافيًّا. بل هو – يا للوقاحة - اختبارٌ واقعيٌّ "صُنِع في لبنان".

الطبقة السياسيّة اللبنانيّة تحتقر فجيعة اللبنانيّين احتقارًا لا وصف له، من زمانٍ سحيق، وخصوصًا – خصوصًا - منذ بدء الانتفاضة في 17 تشرين الأوّل 2019، وتفجير بيروت في الرابع من آب 2020، ووصول لبنان برمّته إلى القعر الاقتصادي والماليّ والمعيشي والصحيّ والنفسيّ.

... وغدًا، أو بعد غد، أو بعد بعد غد، قد يؤلّفون حكومةً (تقنيّة)، تشبه الرتق (الجراحيّ) لاستعادة غشاء البكارة السياسيّة. وكأنّ شيئًا لم يكن.

كتبتُ قبل أيّام: ألف مرّة لا حكومة، على حكومة كالحكومة الموعودة.

أكتب اليوم، مخاطبًا جمهور 4 آب: أوقِفوا هذه الخيانة الوطنيّة المتمادية.

akl.awit@annahar.com.lb