أنا أغار، قالت لي تلك المرأة!

أرسلتُ إليها صورةً للمكتبة، وفيها تركيزٌ على رفوفٍ تحتضن كتبَ الشعر التي أقرأها بالعربيّة، وتلك التي بالفرنسيّة، و/أو المترجمة إليها.
ردّت بالإنكليزيّة التي لا أستسيغها كثيرًا: im jealous.
أقصى ما يمكن أنْ يتمنّاه شخصٌ مثلي، أنْ تعرب له امرأةٌ عن غيرتها، فكيف إذا كانت هذه الغيرة من الكتب!
 
 
 
غمر كياني من جرّاء هذا الحوار الالكترونيّ الخاطف، شعورٌ هائلٌ بالامتلاء الشعريّ والإنسانيّ (وأضيف: السياسيّ الوطنيّ)، يصعب عليَّ أنْ أسترسل في وصفه أو التعبير عن مكنوناته، وخصوصًا في هذه الأزمنة، أزمنة الموت الكالحة، وما يتزامن معها من مشاعر الذلّ والمهانة والإحباط واليأس والخوف والهلع والجوع والظلم والفساد، للأسباب المعروفة وغير المعروفة. 
 
"أنا أغار"، قالت لي تلك المرأة الصبيّة، والجميلة للغاية، لكنْ من غير انتباهٍ أو قصدٍ أو اصطناع.
أيُعقل أنْ – في هذه الأزمنة الهمجيّة – يكون ردّ فعل امرأةٍ (أو رجل، لا فرق) على صورةٍ لمكتبةٍ (أدبيّة!)، هو هذا الردّ، الذي يجب أنْ يوازي عند الجميع ذلك المجذاف الذي ينقذ غريقًا من الغرق، بل يوازي عندي الشعر الخالص من كلّ عيبٍ أو نقصان؟!
 
في زمن الكوفيد الوبائيّ هذا - والكوفيد أنواعٌ، ومراتب، في مقدّمها الكوفيد الذي أُنعِم به علينا، وأنعمناه على بلادنا وأنفسنا، كوفيد هذه الطبقة السياسيّة اللعينة -، ثمّة امرأةٌ شابّة (أو رجلٌ) في العشرينات، تقول لشاعرٍ، تعليقًا على صورةٍ لمكتبةٍ شخصيّة، أدبيّة على وجه التخصيص، "أنا بغار منّك، بحسدك"، بسبب الكتب؟!
 
خذوها منّي: إذا من نافذة أمل، أو من كوّة صغيرة للغاية، تعاملوا مع هذا الحوار الرمزيّ المتقشّف، باعتباره اختراقًا – بل بصيص اختراق - للجدار الإسمنتيّ المسلّح الذي ينتصب حائلًا بين لبنان والخلاص.
يتناهى إليَّ من كلّ حدبٍ وصوب، كيف يتأفّف الناس، معربين عن الإحباط واليأس والملل والضجر والشعور بالسجن، من جرّاء الحجْر الذي تفرضه دواعي الاحتماء من انتشار العدوى الكوفيديّة التي بلغت سقفًا ينذر بالإبادة الجماعيّة.
 
 
ليش يا جماعة؟! ليش؟! فلنفعل شيئًا مفيدًا لأنفسنا أوّلًا، ولمَن يحيط بنا ثانيًا، وللبلاد أوّلًا وثانيًا وثالثًا وبين بين.
أنا لا أعظ. سحقًا للوعظ. أنا ميّتٌ مثل الموتى. لكنّي أرفض أن أموت. وأرفض أن يعرف أحدٌ أنّي أموت. عيبٌ أن نكون أعضاء في كورس هذه الأوركسترا من النقّ السلبيّ الذي يعمّق استيلاء الطبقة السياسيّة علينا وعلى لبنان.
 
الكتب في زمن الكوفيد، لا تشكو من علّة. إذهبوا إلى الكتب، وليس من اللزوم الحصريّ في شيء، أنْ تكون هذه الكتب أدبيّةً على الإطلاق. 
افتحوا – مثلًا - كتب التاريخ، وكتب الثورات، وتعلّموا كيف تُصنَع الثورات، وكيف تنجح في الانتصار على كلّ كوفيدٍ مهما علا شأوه وشأنه.
 
 
كوفيد هذه الطبقة السياسيّة ليس من المستحيل تمريغه في التراب. هذا ليس مستحيلًا.
عيبٌ أنْ يكون الانتصار على هذا الكوفيد مستحيلًا.
سلامي إلى الكتب. وإلى تلك المرأة التي تغار منّي بسبب الكتب. على الهامش: ليتها تغار، بالتزامن وفي الوقت نفسه، من أمورٍ أخرى. والسلام!
 
akl.awit@annahar.com.lb