السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الفنجان وحيدًا

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
فنجان أندره يزبك وحيدًا، لوحة للرسّام منصور الهبر.
فنجان أندره يزبك وحيدًا، لوحة للرسّام منصور الهبر.
A+ A-
أندره يزبك صديقي، مات.
صديقي الـ منذ خمسين عامًا، مات في هذا الليل. لم أعرف أنّه مات إلّا في الصباح.
فنجان قهوته بقي هذا الصباح، وحيدًا ومستوحشًا.
فنجاني وحده بكى، كما تبكي قهوةٌ مرّةٌ في فنجانٍ يتيم.
مَن لا يعرف أندره يزبك، ليس في مقدوره أنْ يعرف ما هي الطيبة الخالية من كلّ دنسٍ وعيب.
هذا كائنٌ هو نموذجٌ للرضا.
 
فقد خُلِق ليكون غابةً. وليكون كرْمًا.
ولهذا السبب وُهِبَ موهبةً فريدةً في الشكل والنوع: أنْ يكون حبًّا مطلقًا.
وحيثما كان. وكيفما كان. وأينما كان. وفي كلّ آنٍ.
كسماءٍ هو.
كسماءٍ لم تكفهرّ يومًا.
كسماءٍ مفتوحةٍ على أطيابها.
 
اكتشفتُهُ من اليوم الأوّل، في خريف العام 1971.
ومن اليوم الأوّل عرفتُ سرّه الميمون: أخًا وصديقًا وحبيبًا ورفيقًا ونبيلًا وليّنًا وعطوفًا وهنيًّا وطيّبًا ورضيًّا وقدّيسًا وجميلًا كطفلٍ، كابتسامةٍ لطفلٍ، لطفلٍ كبير، من الصعب، من المستحيل، أنْ تعثر لها على شقيقة.
لم يغب يومًا. ولم يزعّلْني يومًا. ولم يكسف خاطري يومًا. ولم يخيّب ظنّي يومًا.
كان دائمًا قبلي. دائمًا قبلي.
 
ولم أعرف يومًا أنْ أوازيه في الرضا وفي الحبّ. وفي الأخوّة، وفي الصداقة، وفي الرفق، وفي النبل، وفي العطف، وفي الهناءة، وفي الطيبة، وفي الطفولة، ولا في الابتسامة.
كنّا – للأمانة - شلّةً من الأصدقاء.
كنّا باقةً. وحزمة.
وها أحدنا، أندره يزبك صديقي، يموت في الليل، تاركًا وراءه الشلّة والعائلة باقةً مطعونةً في فؤادها.
كيف لامرئٍ مثلي، كيف لشلّةٍ، وكيف لعائلةٍ، أنْ تتحمّل بعد اليوم فنجانًا لأندره بدون صاحبه؟!
لكنْ رويدًا.
فنجانه وحيدًا سيظلّ ينضح بقلبه.
وسيظلّ ينضح كنبعٍ. وكأيقونة.
ولن أقول وداعًا!
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم