الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أيّ موهبةٍ شاملة تجعل شعرَ إيتل عدنان قمرَ الليل وشمسَ النهار في هذا العالم الهمجيّ الحزين؟

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
Bookmark
إيتل عدنان بريشة الفنان منصور الهبر.
إيتل عدنان بريشة الفنان منصور الهبر.
A+ A-
لو أردتُ الآن أنْ أعود إلى جردةٍ بالكتب، بالمؤلّفات، بالقصائد، بالنصوص، التي وضعتها إيتل عدنان، بالفرنسيّة، بالإنكليزيّة، وبغيرها، وتلك التي عُرِّبَت لها، لإلقاء الضوء عليها، ودرسها، وتحليلها، لاستحال عليَّ ذلك، بل لاستحال الأمر على كلّ موثِّقٍ ومؤرِّخٍ وباحثٍ وشاعرٍ وناقدٍ أدبيّ. هذا مطلبٌ مستحيلُ التحقيق، لأنّ تلك الجردة غير موجودة، ولأنّ ما كتبته هذه الشاعرة الكونيّة لم يُجمَع يومًا، وبعضه بقي نشره مقتصرًا على المجلّات والصحف، شرقًا وغربًا. ثمّة حاجةٌ مطلقة، بعد غياب الشاعرة، إلى وضع هذا المشروع الكبير موضع التنفيذ، بطريقة منهجيّة ودقيقة ومتكاملة وموثوق بها، على أنْ تتولّاه هيئةٌ أدبيّة وعلميّة متخصّصة، تكون مرتبطة – مباشرةً - بما يمكن تسميته "مؤسّسة إيتل عدنان". أو شيء من هذا القبيل.هذه الهيئة يجب تأليفها، وتمكينها مادّيًّا ومعنويًّا، لإنجاز عملٍ يليق بهذه المرأة التاريخيّة التي غادرتنا قبل أيّام، تاركةً وراءها إرثًا إنسانيًّا وأدبيًّا وفنّيًّا وفكريًّا عظيمًا (لكنْ مشتّتًا ومبعثرًا)، تمهيدًا لطبعه ونشره ووضعه في متناول المكتبة الأدبية، العربيّة والعالميّة. ماذا كتبتْ إيتل عدنان، لكي يكون ما أكتبه فيها، وعنها (أو ما يكتبه الآخرون) "مستحقًّا"، وبلا تقريظ؟ أهي حقًّا هذه "الموهبة الشاملة"؟ وماذا تعني هذه "الموهبة الشاملة"؟ أجيب بسؤال إنكاريّ: ماذا هي لم تكتب؟ أعتقد أنّها كتبتْ هذا الـ"كلّ شيء"، الذي هو الإنسان، والوجود، والأنسنة، والحياة، والحبّ. وهل ثمّة ما ينبغي للشاعر/ة و/أو الفيلسوف/ة و/أو المفكّر/ة، أنْ يفعله أكثر من أنْ ينخرط في هذا الـ"كلّ شيء"، فيسائل الأنا، والآخر، واللغة، والكوزموس، وينخرط بلا حساب، ويلج، ويصير نشاطه هذا بعضًا من ماهيّة الوجود العظمى؟ ما قرأتُ نصًّا لإيتل، شعريًّا، أو قريبًا من الشعر، أو مزيجًا من الشعر والفلسفة والفكر، إلّا وجدتُهُ منهمًّا بهذا الـ"كلّ شيء"، غائصًا على جوهره، منحلًّا فيه، مستخلصًا منه ما ينبغي للـcondition humaine أنْ تضطلع به. وعندما أُسأَل الآن ماذا فعلت إيتل لكي "تستحقّ"، فإنّي أُسارع إلى القول إنّها انخرطت بكيانيّتها الجسديّة والروحيّة والعقليّة و... اللغويّة، في هذا الحفر اللّامتناهي داخل الهجس الكوزميّ، بحثًا عن خلاصٍ ما. وقد عثر شعرُها على هذا الخلاص في الشعر، في شعر الأنسنة. وهي أعلنت ذلك مرارًا وتكرارًا حين نادت بالشعر القائم على الحبّ، والسلام، والأخوّة؛ انطلاقًا من هذا الكائن الضئيل، القليل، الهشّ، العابر، الزائل، الذي هو الإنسان. هذا الهاجس، رافق حياة إيتل عدنان المديدة، ونشاطاتها، واهتماماتها الخلّاقة ذات الطابع الإنسانويّ. هذه الإنسانويّة هي هوّيّة شعرها، بل هوّيّة كلّ ما أنجزته هذه المرأة، المتعدّدة والعابرة الهوّيّات والانتماءات والثقافات والحضارات والخلاصات؛ عربيّة (سوريّة ولبنانيّة)، تركيّة، يونانيّة، فرنسيّة، أوروبيّة، أميركيّة،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم