الجمعة - 29 أيلول 2023

إعلان

العجز عن الوصف وعن التسمية

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
لوحة لمنصور الهبر.
لوحة لمنصور الهبر.
A+ A-
 
نحن في جمهوريّة ليست هي الجمهوريّة اللبنانيّة. كانت تُسمّى في ما مضى الجمهوريّة اللبنانيّة، ولكن يستحيل أنْ تكون هي نفسها الآن، أو أنْ تكون تحمل الإسم نفسه. Impossible.
 
 الملدوعون بنار ما آلت إليه هذه الجمهوريّة، التي لم يعد لها مثيل بين الجمهوريّات والممالك والإمارات والأمم، ولا في القارّات والأصقاع الأشدّ انحطاطًا وتخلّفًا وظلاميّةً، يحقّ لهم أنْ يطلقوا عليها ما شاؤوا من التسميات (الواقعيّة). باعتبار أنّ ذلك إنّما يندرج في باب التجربة والمراس والخبرة، لا في باب الافتراض. وها هنا، لا وقاحة البتّة في التسمية (أيًّا تكن)، ولا فظاظة، ولا خروج على الوقار، ولا على الآداب العامّة. بل مراعاة (تقريبيّة) لمقتضى الحال.
 
معاجم الأنظمة الديكتاتوريّة والتوتاليتاريّة والأزليّة والأبديّة والعسكريتاريّة والمخابراتيّة والإرهابيّة والجهنّميّة، تحفل بالتسميات الرهيبة من كلّ صنفٍ ومستوى. ما لنا ولهذه التسميات. أستطيع أنْ أعتبرها تسميات فات أوانُها، ولم تعد على الموضة (اللبنانيّة). بل يمكنني أنْ أعتبرها تسميات فروتّو (تحلاية)، "من قريبو"، قياسًا إلى ما هي عليه أوصاف جمهوريّتنا غير السعيدة.
 
القائمون على جمهوريّتنا هذه، هم خلاصة الخلاصات. وخلطة الخلطات. وهم زبدة الحكّام والحقب أجمعين. وعليه، فإنّ جمهوريّتنا هي أبشع من جمهوريّات الموز وبينوشيه وبوكاسا وعيدي أمين دادا وهتلر وموسوليني وستالين وحَمَلَة النياشين وملهمي الملالي والبعث وصبابيط الحكّام العسكر (وبيجاماتهم) وبلطات قطّاع الطرق وأمواس (سكاكين) الزعران والبلطجيّة. أبشع بكثير.
 
ربّما إذا جُمِعت هذه البشاعات، ووُضِعت في دستٍ عظيم، لخلطها وتقطيرها (على نارٍ حامية) واستخلاص عصاراتها، فربّما يمكن الحصول على "طبخة" جمهوريّتنا (اللبنانيّة) المستجدّة، وعلى "وصفة" مكوّناتها الفريدة في النوع والجنس والشكل.
 
ربّما يمكن الحصول على الطبخة والوصفة التقريبيّتين. لكنْ مش أكيد. فجمهوريّتنا أبشع. بل هي أبشع بكثير.
 
أأسمّيها جمهوريّة الوطاوة والواطيين؟ لا. ضعيفة. ركيكة. بدون خيال. ودون المستوى. إنّها جمهوريّة ما تحت الوطاوة بكثير. بكثير. وهذا عجزٌ عن التسمية، يشرّفني أنْ أعجزه، ليس لعلّةٍ في الوصف، ولا لعلّة في اللغة، بل لأنّ الواطيين كسروا الأرقام القياسيّة في الوطاوة، وما تحت الوطاوة.
 
لقد سبقوا الوطاوة مطلقًا، وسبقوا النتانة مطلقًا (نتانة مطامر الزبالة والمراحيض والجوَر الصحّيّة)، وسبقوا الدناءة مطلقًا، والحقارة مطلقًا، والنذالة مطلقًا، والسفالة مطلقًا، والعهر مطلقًا، و(الشرمطة) مطلقًا.
 
هذا كلّه لا يكفي لوصف القائمين على الحكم فينا، ولا لإطلاق تسمية جديدة (لائقة) على جمهوريّتنا اللبنانيّة غير السعيدة.
 
هؤلاء لا سابق لهم، البتّة. كم يشرّفني أنْ أكون عاجزًا عن الوصف وعن التسمية.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم