مبادرة "النهار" للمرأة اللبنانية

هي مبادرة ليوم واحد. لكنها غير منتهية الصلاحية، إذ أن موضوعها يرتبط بالكون، بالوجود، بالحياة. عدم التكافؤ الجندري في الفرص، ليس وليد الطبيعة، ولا ثمرة القوة الجسدية، كما يدعي البعض، بل ثمرة الذكورية التي سادت ولا تزال، مستفيدة من بعض تفوّق عضلي، وقد كرسته الاديان التي كانت وليدة مجتمعاتها وأُلبست التقاليد والعادات فتحولت الى ما يشبه المعتقدات.

في المسيحية مريم هي أمّ الله، وقد اختار الله سيدة ليحقق من خلالها مشروع الخلاص، وفي الاسلام لعلّ سورة مريم الاولى في القرآن، تكرس دور السيدة التي اصطفاها الله، وفي التقاليد والاقوال والاشعار ان "الأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها"، و"الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعددت شعباً طيب الأعراق" و"الرجال من صُنع أمهاتهم"، و"من فقد أمه فقد أبويه".

ولكن شتّان ما بين هذا العالم المتخيّل، وما بين الواقع الذي لا يزال يتعامل مع المرأة بفوقية، و"يضطهد" المرأة، خصوصاً في المجتمعات الاكثر فقراً والاكثر تديناً. عالم يستهجن واقع ان تبلغ المرأة مواقع متقدمة وان تكون ناجحة ومتألقة.

يتحدثون عن ملكة بريطانيا او عن المستشارة الالمانية انغيلا ميركل او عن نائبة الرئيس الاميركي السابقة كامالا هاريس بإعجاب غير مبرر، ومثار الاعجاب كونهن سيدات، وكأن نجاح النساء امر مستغرب ومستهجن. وإذا فشلت المراة في اي موقع يحكم عليها وفق الاعتبار الجندري، فيما لا يعيب الرجل فشله، وان كان فشل الرجل اشد قسوة في مجتمعات تخضع لتلك المعايير.

ليس الهدف طبعاً محاولة دفع المرأة لتكون عنصراً متقدماً على الرجل، هي معه، جنباً الى جنب، في كل المراحل والمسؤوليات، ليست مكملاً له في شيء، بل يكملان بعضهما البعض، فيصيران جسداً واحداً في الحياة المشتركة.

اليوم أرادتها "النهار" مبادرة مع الشركاء تحت عنوان "مش حرف ناقص". والكل يعلم مدى صعوبة فهم كلمات بحروف ناقصة، بل عدم امكان فهمها، والتزامها، لانها قد تبدل المعنى والهدف وتسيء اليه. وهكذا فإن اي تعامل مع المرأة، المتزوجة والعازبة على السواء، بفوقية وعدم فهم وانتقاص من قيمتها، انما هو جهل يمعن في اغراق المجتمعات في تخلفها وانحطاطها. لا تعطوا المرأة حقوقاً فهي ليست منّة، ولكن لا تتصدوا لنيلها حقوقها الاساسية.