مؤتمر "السياسات العالمية" في دورته الـ١٥ في أبوظبي: أفق غامض لا يواجه التحدّيات الضخمة

أبو ظبي – سابين عويس


على مدى ثلاثة أيام، برنامج كثيف أعدّه مؤتمر "السياسات العالمية" الذي ينظمه المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية برئاسة تييري دو مونبريال، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث اجتمعت أكثر من ٢٥٠ شخصية سياسية واقتصادية وأكاديمية دولية لحوار بناء حول التحديات الضخمة التي تواجه العالم في ظل المتغيّرات السياسية والعسكرية والتكنولوجية وحتى الصحية التي شهدها في الأعوام الثلاثة الماضية منذ بروز جائحة كورونا، وصولاً الى الحرب الروسية الأوكرانية وما طرحته ورتبته من تأثير وتداعيات على خريطة توازن القوى العالمي كما على مستقبل الاقتصاد العالمي.

هل الاقتصاد العالمي في خطر، وهل هو الى انهيار، أم لا يزال يتمتع بالمناعة؟ كيف يمكن بناء نظام من المناعة لمواجهة التحديات، وهل أسس الحوكمة والشفافية والإدارة الرشيدة تطبّق بطريقة سليمة أم لا؟ وكيف يواجه العالم ولا سيما أوروبا الصراع على القيادة بين الولايات المتحدة والصين؟ كلها أسئلة شكلت محور نقاشات اليوم الاول، لتنتقل بعدها الى طرح الاسئلة حيال مستقبل الاتحاد الاوروبي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وصولاً الى المخاطر التي تهدد الامن الغذائي، وتغيّر المناخ.

وتستضيف أبو ظبي أعمال المؤتمر للسنة الثانية على التوالي، بما اعتُبر بمثابة رسالة إماراتية الى الموقع المتقدّم للإمارة في خلق مساحة من الحوار على مستوى صناع الرأي في العالم. وبدا واضحاً الاهتمام الإماراتي من خلال مستوى التمثيل الرفيع في المشاركة والدعوة خلال الكلمات التي ألقيت الى نشر التسامح وإعلاء لغة الحوار وتعزيز التضامن لمواجهة التحديات. وهو ما عبّرت عنه في الكلمة التي ألقتها ريم الهاشمي، وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، في افتتاح المؤتمر، الجمعة، والتي ركزت على أهمية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة الأزمات والتحديات، مبرزة التجرية الإماراتية في هذا المجال، مضيفة أنه "ينبغى أن ندرس ونتفهّم جيداً التحديات التي مررنا بها خلال السنة الجارية"، مشيرة إلى أن المشكلات العالمية يجب حلها بروح التعاون، داعية الى مواجهة التحديات التي أفرزتها السنة الحالية نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية.

برغم الاختلافات في الرأي حول مستقبل الاقتصاد العالمي والدولار كعملة رئيسة، كان تأكيد لدى عدد من المشاركين، أن الاقتصاد العالمي ليس على طريق الانهيار، وأنه لا يزال يتمتع بمناعة تتيح له الحفاظ على قوته، مستمداً ذلك من مجموعة من العوامل التي أتاحت له إعادة تمويل نفسه وإعادة توزيع التمويل بين دوله. وخلاصة الكلام أن لا حاجة الى استبدال النظام القائم بنظام آخر، علماً بأن الصين المعنية الأولى بالصراع القائم على زعامة العالم لا تطلب أو تدفع في اتجاه هذا التغيير. وفي رأي بعض ممثلي مراكز أبحاث صينية، إن على الصين أن تتعلم من الحرب الروسية والعقوبات المفروضة عليها، فلا ترى أن التناغم الحاصل معها أو مع دول مثل الهند وإندونيسيا يكفي ليشكل حافزاً مثلاً لتشجيع المسار الذي سارت فيه روسيا باجتياحها أوكرانيا.

أما بالنسبة الى مسألة التخلي عن الدولار فهي غير مطروحة، وأي بحث في تغيير النظام النقدي سيؤدي حكماً الى تغيير النظام الاقتصادي العالمي. والتمسك بالنظام القائم أصبح أكثر جدية من السابق حيث كانت الدعوات الى التغيير، نظراً الى الجهود التي بذلت على مستوى قادة العالم ولا سيما دول مجموعة العشرين من أجل التوافق على تعريف مشترك يسهّل الحفاظ على النظام القائم.

في اللقاء مع المستشار الديبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الدكتور أنور قرقاش، اعتبر أن موقف بلاده من أزمة أوكرانيا ليس محايداً بل يسعى الى أن يكون متوازناً، موضحاً ان المبدأ العام هو رفض استخدام العنف في إنهاء الصراعات في العالم، مؤكداً رفضه للحلول العسكرية، ودعوته الى الحل السلمي، معرباً عن تفهمه لوجهة نظر وزير الخارجية الأوكراني (المشارك في المؤتمر) نظراً الى أن بلاده هي التي تتعرض للتدمير، نافياً أن يكون لبلده، وهو متوسط الحجم، القدرة على التأثير، مؤكداً أن العمل الديبلوماسي مهم للوصول الى الحلول السلمية. وأكد أن الإرهاب لا يزال يمثل تهديداً كبيراً لدول المنطقة، معرباً عن قلقه من تهديدَي المسيّرات كما حصل مع المملكة العربية السعودية، والإرهاب.

وعشية مشاركة وزير الخارجية السعودي في الجلسة الختامية، ولدى سؤاله عما يفترض أن يُسأل عنه الديبلوماسي السعودي أجاب القرقاش بديبلوماسية منوّهاً بالتطوّر الاقتصادي الذي تشهده المملكة، مؤكداً تكامل العلاقات بين البلدين، اقتصادياً واستثمارياً، لافتاً الى أن الجميع قادر على الإفادة منها، ما يوسّع ويكبّر الكعكة الخليجية. في الجلسة المتعلقة بالشرق الأوسط، كان النقاش حول التنوّع والتشابك في السياسات القائمة كما هي الحال مثلاً في السياسة التركية حيال سوريا أو المنطقة، أو السعودية مثلاً المنفتحة على الصين كما على واشنطن، انطلاقاً من أن السياسة الأميركية لم تف بالتزاماتها تجاه حلفائها في المنطقة، كما هو حاصل أيضاً بالنسبة الى عدم الوضوح بل التأرجح إن في الملفّ الإيراني أو العراقي أو حيال دول الشرق الأوسط. وكان الانسحاب الأميركي أدّى الى خربطة المشهد، على نحو أنه ليس في الأفق أي وضوح في الرؤية، والتشابك في السياسات سيكون سمة المرحلة، ما لم يكن هناك خرق أو تحول بارز في أحد الملفات الشائكة كالملف النووي مثلاً على نحو يدفع الأميركيين الى إعادة النظر في حساباتهم.

وخلص المشاركون الى أن المرحلة كثيرة الضبابية ويمكن أن تطول في ظل التأرجح الحاصل وعدم الحسم.

أفكار كثيرة نوقشت وطُرحت في الجلسات الكثيفة من دون أن تحمل أي أفق إيجابي واضح حيال مستقبل الملفات الشائكة المطروحة على المستوى الإقليمي والعالمي، ما يجعل الأسئلة نفسها تتكرّر عن المرحلة أو الأحداث التي يمكن أن تحقق الخرق المطلوب على مستوى الغموض القائم.


Sabine.oueiss@annahar.com.lb