أمضيتُ خمس سنوات في قبرص من صيف العام 1987 إلى شتاء العام 1993. أعمل في وكالة الصحافة الفرنسيّة (فرانس برس)، وأقرأ، وأكتب، وأسافر، وأمشي، وأتأمّل، وأفكّر، و... أطبخ. تعرّفتُ هناك إلى العزلة، في معناها الحسّيّ، كما في معناها الشعريّ، الذي هو معنًى فلسفيٌّ بامتياز. وتعلّمتُ الصمتَ هناك؛ الصمتَ الذي هو كلامٌ سحيقٌ بلا صوت، والصمتَ الذي يعثرُ عليه المرءُ في الكلمات. العزلةُ والصمتُ هذان، خيارٌ وجوديٌّ – شعريٌّ، كاملُ الحرّيّة، وهما ليسا هربًا ولا فرارًا ولا لجوءًا. بل لذّةٌ عزيزةٌ، دونَها مراسٌ دؤوبٌ للغاية. وقد تمرّستُ بهما أيّما تمرّسٍ، بعكوفٍ حيي، وبدون صخبٍ ولا استعراض، وصولًا إلى قطفِ تلك اللّذّةِ المزدوجةِ، اللصيقةِ بهما، التي انغمستُ فيها انغماسًا كليانيًّا من ذلك الحينِ القبرصيّ. ولا...

ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول