في زمن وصاية إيران على لبنان استحضار رستم غزالة!

الضجة التي يحدثها المعنيون بتأليف حكومة جديدة مثيرة للاستغراب، لكنها آتية ممن هم مسؤولون عن إنجاز هذه المهمة التي ارتبطت بقضية إنقاذ لبنان من أخطر أزمة مالية عرفها في تاريخه. ويتذكر مسؤولون سابقون من زمن الوصاية السورية على لبنان أن الطبقة السياسية التي تمارس نفوذها اليوم آتية من ذلك الزمن لكنها اليوم تواصل دورها في زمن الوصاية الإيرانية التي يبسطها "حزب الله". ويخلص هؤلاء المسؤولون بعد المقارنة بين الزمنين إلى القول إن "لبنان انحدر من وصاية إلى وصاية كمن انحدر من السيّئ إلى الاسوأ".

مناسبة هذه المقارنة جاءت خلال لقاء ضم هؤلاء المسؤولين السابقين وفق ما علمت "النهار"، وكان منطلق الحديث في اللقاء قرب صدور الكتاب الجديد للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي بدأت صحيفة "الشرق الاوسط" تنشر بعض فصوله. وفي الحقلة الأولى من الكتاب الذي سيحمل عنوان "سنوات الجامعة العربية"، يروي عمرو موسى كيف واكب شخصياً تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وكيف انتقل مباشرة من القاهرة إلى بيروت فور وقوع الجريمة. وتسنى له كما يقول، أن يستخلص الآتي: "كان واضحاً أن بعض أقطاب الطائفة السنية، وبعض الأحزاب المارونية وغيرها، يشيرون بإصبع الاتهام إلى سوريا في جريمة اغتيال الحريري. وبعضهم أشار بإصبع الاتهام إلى "حزب الله"، ولكن بالأساس كان الاتهام موجهاً إلى سوريا، فوجدتُ أن أفضل شيء يقوم به الأمين العام للجامعة العربية أن يسافر إلى سوريا ويتحدث مع الرئيس بشار الأسد".

أضاف عمرو موسى أنه في اليوم الثالث على اغتيال الحريري، طلب زيارة سوريا فاستجابت دمشق لطلبه. ومما قاله عن لقائه برئيس النظام السوري: "...استقبلني الرئيس بشّار وكان الحديث صريحاً جداً، قلت له إن هناك مطالبة كبيرة جداً بانسحاب القوات السورية، فقال لي: مستعد أن أسحب وسأسحب قوات إضافية، ولا مانع لدي أن أسحب جميع القوات".

ويعلق وزير سابق على ما أورده الامين العام السابق لجامعة الدول العربية قائلاً: "كانت هناك فرصة لكي يؤجل الاسد تنفيذ قرار سحب قواته في لبنان سنحت في محادثات جرت بينه وبين العضو التونسي في بعثة تقصي الحقائق التي انتدبها الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان برئاسة مفوض الشرطة الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد وذلك للبحث في أسباب وظروف وعواقب اغتيال الرئيس الحريري في الفترة الممتدة ما بين 25 شباط و24 آذار من العام 2005. وعند وصولها إلى بيروت في 25 شباط، أجرت البعثة مقابلات مع مسؤولين وسياسيين لبنانيين من الحكومة والمعارضة على السواء. وهنا، يقول الوزير السابق إن عضو البعثة التونسي تسنى له الاتصال بالأسد طالباً منه القيام بالخطوة الآتية: "إسحب رستم غزالة من لبنان فوراً وعندئذ يمكن التمهل في طرح مصير وجود القوات السورية في لبنان". ويوضح المصدر أن الاسد رفض هذا الطلب إلى أن قام في 30 نيسان 2005 بسحب هذه القوات منهياً بذلك وصاية مباشرة تقدر بـ30 عاماً بدأت أيام الرئيس الأب حافظ الأسد.

وتتواصل المناقشة حول الاسباب التي دفعت بشار الاسد إلى القيام بخطوة سحب جيشه من لبنان، فيقول أحد المشاركين في اللقاء إنه يعتقد أن الرئيس السوري كان المسؤول الكامل عن أفعال العقيد غزالة في لبنان، والأخير كان يلقب بـ"أبو عبدو" وتبوأ منصب رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية إلى حين مغادرتها. ووفق معلومات المصدر أن غزالة أسرّ أمام أحد المقربين منه بأنه كان يقوم بمهمة "تحصيل الخوات" من لبنان لمصلحة الاسد والمجموعة المحيطة بالأخير.

وفي خلاصة الحديث عن تلك المرحلة، التقى الحاضرون على وصف غزالة بأنه كان الاكثر فظاظة من بين كل المسؤولين السوريين الذين تعاقبوا على إدارة الوصاية في لبنان. وهناك الكثير ليروى حول تعامل غزالة مع الطبقة السياسية في لبنان في ذلك الوقت وربما سيأتي الوقت لكي يتم إيراد تفاصيل تلك الحقبة.

منذ رحيل القوات السورية عن لبنان في نهاية نيسان 2005، كانت هناك قوات أخرى لتملأ الفراغ تمثلت بـ"حزب الله". ويقارن عدد من المشاركين في اللقاء بين زمن القوات السورية وقوات الحزب، فوصلوا إلى اتفاق على القول بأن "فظاظة رستم غزالة كانت في نهاية المطاف وسيلة لتسيير عجلة الحكم في لبنان، بينما اليوم تؤدي تقيّة الوصاية الإيرانية إلى شلل آلة الحكم في هذا البلد".

قد تبدو هذه الاستنتاجات التي انتهى إليها اللقاء غير مرّحب بها عند معظم اللبنانيين الذين يتوقون إلى أن تكون هناك دولة لبنان تتولى رعاية أمورهم بدلاً من وصاية إيران اليوم بعد وصاية سوريا بالأمس. لكن ما قاله لـ"النهار" نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، الاربعاء، يجدد المناقشة في موضوع "الوصاية" التي لا بد منها كي تمضي الامور قدماً في هذا البلد. فهو قال إن "هناك ثمة "كارت بلانش" قد منح لباريس لكي تستأنف مفاعيل مبادرتها تجاه لبنان سواء من أوروبا أو من إدارة (الرئيس الاميركي المنتحب جو) بايدن".

هل هناك حظوظ لـ"وصاية" تفرضها باريس وفق المعطيات التي أشار إليها النائب الفرزلي؟
حتى الآن لا يبدو أن فرنسا وبجهد لافت من رئيسها، استطاعت أن تحرز تقدماً ولو في تشكيل حكومة، في حين كان أمر تشكيل الحكومات في الحقبة السورية من أسهل المهمات إلى أن غادر رستم غزالة لبنان قبل 15 عاماً.

في المقابل، يشير "برج بابل" الصخب السياسي حالياً، إلى أن الوصي الإيراني هو جزء من الصخب وليس الراعي للحل. ففي عز اشتداد أزمة تأليف الحكومة الجديدة يقبع الهجوم على حاكم مصرف لبنان على رأس أولويات "حزب الله". ففي مقدمة نشرة قناة "المنار" التلفزيونية التابعة للحزب بالأمس جاء فيها: "نجحَ من حكمَ بأمرِ المالِ لسنينَ ومعه رعاتُه السياسيونَ وشركاؤهُ الاقتصاديونَ في أَنْ يُخيِّروا فقراءَ اللبنانيينَ وحكومتَهم بين السيِّئِ والأسوأ، ووقفَ الـمُتحكِّمُ على دفّةِ ما تبقى من أموالِ المودعينَ لِيَبتزَّ حتى برغيفِ الخبزِ".

هل يمكن القول إن لبنان ليس محظوظاً على الاطلاق في زمن الوصاية الحالية سواء الفرنسية منها أو الإيرانية الفعلية؟ ربما لهذا السبب هناك من يتذكر اليوم رستم غزالة سيّئ الذكر!

ahmad.ayash@annahar.com.lb