الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خُذوا النايَ وغَنّوا... الصمودُ سِرُّ الوجود

المصدر: النهار
سجعان قزي
سجعان قزي
Bookmark
خُذوا النايَ وغَنّوا... الصمودُ سِرُّ الوجود
خُذوا النايَ وغَنّوا... الصمودُ سِرُّ الوجود
A+ A-
  كنا ننتظرُ أن تُغيّرَ الثورةُ لبنان، فغيّرَ تَفجيرُ المرفأِ اللبنانيّين. الصدمةُ التي تلقّاها اللبنانيّون في بُنيانِهم الشخصيِّ والنفسيِّ تُحاكي تلك التي أصابَت الشعوبَ الأوروبيّةَ بعدَ الحربَين العالميّتين، الأولى والثانيةِ، في القرنِ العشرين. اعتَبر الأوروبيون أنّهم مُكَرّسون للحروبِ الدوريّة. وقال، حينَها، الشاعرُ الفرنسيُّ بول ڤاليري: "نحن، أبناءُ الحضارات، نُدرك اليومَ أنّنا مائِتُون". بعدَ تفجيرِ المرفأِ المدَمِّرِ أصْبح لدى اللبنانيّين شعورٌ بأنّهم عُرضةٌ في أيِّ لحظةٍ للموتِ غيرِ الطبيعيِّ، وبأنّهم بلا حمايةٍ من القدَرِ ومن القضاءِ ومن الدولة، لا بل يَحتاجون إلى من يَحمِيهم من الثلاثةِ معًا. مُدمِّرٌ تأثيرُ الصوتِ الـمُرْعِب على معنوياتِ الإنسانِ وعقلِه وجسدِه. هذا الصوتُ أقسى من الحربِ أحيانًا. أثناءَ حصارِ ناﭘـوليون ڤـيينا سنةَ 1809 ارتَعب بيتهوڤـن من أصواتِ المدافع، وأوقَف تأليفَ "السيمفونيةِ الخامسة" مدّةَ سنة. أختبأ في قَبوٍ سحيقٍ عند شقيقِه ووَضَع على أذُنيْه وِساداتٍ سميكةً. وَهَنَت أعصابُه مُوقّتًا، فكان يَتوجّهُ إلى مقهى يَرتادُه ضبّاطٌ فرنسيّون ويَشتُمهُم. ولاحقًا كتبَ إلى ناشرِ مؤلَّفاتِه الموسيقيّةِ يقول: "خَسِرتُ فرحي ومعنويّاتي. أصواتُ المدافعِ الرهيبةُ لا تزال تَطِنُّ في رأسي. تَغيَّرت حياتي. فَقدْتُ لَذّةَ العيشِ في الريفِ أيضًا. أَنظُرُ إلى الآلاتِ الموسيقيّةِ كأنّها الآتٌ حربيّةٌ، فأخشى لَمْسَها". كلّنا بيتهوڤـن، بخاصةٍ أهلُ بيروت. يَخافون النظرَ إلى وجوهِهم في المرايا. انتقَلنا من "الشهداءِ الأحياء" إلى "الضحايا الأحياء". انتهى التفجيرُ لكنَّ الانفجارَ يَتردّدُ في آذانِهم والعيونِ والـمُخيّلَة. نفسيّتُهم مُدمَّرةٌ مثلَ المرفأ....
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم