الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

خريف لبنان

المصدر: "النهار"
سمير عطالله
سمير عطالله
Bookmark
تساوت الفصول عندما ازداد حنق الرجال وصار حمقاً. وتساوى الفاسدون والفاسقون ودجّالو البراءة، كَذَبة الوعود، خونة العهد.
تساوت الفصول عندما ازداد حنق الرجال وصار حمقاً. وتساوى الفاسدون والفاسقون ودجّالو البراءة، كَذَبة الوعود، خونة العهد.
A+ A-
كان ايلول، في الزمن الذي انقضى، شهر الاياب. شهر العودة. الناس تعود من العطل، والاولاد إلى المدارس، والعمل إلى حركته الكاملة. وتعود المدينة إلى دورها، عاصمة للآتين من الجهات الأربع، تاركين خلفهم "جيز الحصايد" وقد كف عن غناء "القصايد"، كما سخر منه فيلمون وهبي، سبع. سبع القرى، وسبع الالحان، وسبع الضحك، ومسبِّع الكارات والمواهب. ولما كان ذلك أيضاً زمن الإتقان، فقد اتقن سبع كيف ينقل أوتار عوده الرنان ما بين الفرح وخدر الحنين. وذات فريق تسنى له، صوت فيروزوقصيد جوزف حرب، ولحّن على عوده "ورقو الاصفر شهر ايلول، تحت الشبابيك". وكان شهر المؤن والاحتراز والتهيؤ لحصار الشتاء وعتومه ولياليه، التي تطوي طولها المواقد والحكايات ودفء العائلة، وما ترك الصيف من خصب وحصاد وثمار وأعناب، وكل ما يُجفف دون ان يفقد رحيقه. ويطل الخريف حانياً، خجولاً بنفسه، مستحياً بحاله، مثل جميع النبلاء والاكابر وشعراء الفصول. يصفرُ اوراق الشهر ثم يعرّيها ثم يطلق السحب من عل ويرسل الضباب من كلّ، ويفتح نصف فتحة خزان المطر، كمثل تحذير من جنون السيول وغضب العواصف وقشعريرة البرق وغلظة الرعد. ينبّه ايلول إلى خير ما كان، وعقم ما سوف يكون. يفصل بين الفصول ويقسّمها، ما بين خصب وجدب، ليال مقمرة ونهارات مكفهرة، يحذِّر الإنسان من بدء دورة النزول في حياته. حاذر السقوط. حاذر الزحلقة. حاذر الوقوع وشماتة الناس. حاذر العراء في الشتاء. ادرس جيداً دورة الفصول. اعد قراءة لافونتين وابن المقفع وحكايات بيدبا الفيلسوف. الزلمة، لم يكن يمزح على الاطلاق. كان حكيماً والحكماء يعرفون معنى الوقت. هو الذي يملكك، لا انت. الوقت يد الله وانت ذرة في مذراته. لذلك أحبّ المتواضعين وأحسن سترهم وبخّر...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم