لو تعرف يا أمين أيّ بيروت آلت إليها بيروتنا في غيابكَ
07-02-2022 | 00:00
المصدر: "النهار"
في الخامس من شباط 2019 غبتَ يا أمين (الباشا) عن 87 عامًا (1932-2019)، أمضيتَ منها أكثر من ستّين عامًا، وبعضًا إضافيًّا من أشهرٍ وسنين، غريقًا في اللون، مستنفدًا فيه أقصى ما يُعطى امرؤٌ أنْ يختزن في شخصه من رغباتٍ وشهواتٍ وأحلامٍ وتخييلات. لو حاولتُ اليوم أن أخاطبكَ، أنْ أستعيدكَ، أنْ أستحضركَ، أنْ أوجّه إليكَ تحيّةً، لتراءى لي أنّ أفضل مخاطبة، أنّ أفضل "تفسير" يختصر تجربتكَ التشكيليّة المديدة، الشهادة التي تدرجكَ في القائمة البهيّة المختصرة لصنّاع اللون وناشري رحيقه في أرجاء الحديقة الكونيّة. (أمين بريشة أمين) يلذّ لي أنْ أزعم أنّكَ كنتَ تترك الباب مشقوقًا في المرسم (وهذا ليس صحيحًا)، لكي إذا جاءكَ زائرٌ على غير موعد، لا تضطرّ إلى أنْ تفرمل أسفاركَ، كاسرًا انصرافكَ الانخطافيّ تلوينًا ورسمًا، على وقع موسيقى كلاسيكيّة كانت تنبعث على الدوام من آلةٍ تختار بنفسها ما تطمئنّ إليه أذنكَ أيّها الرسّام من سمفونيّات خالدة.كانت تلك أحوالكَ من الفجر إلى النجر، وكلّ يوم، ومدى الأسبوع، وآحادًا وأعيادًا، وصيفَ شتاء، وفي المواسم والفصول كلّها، لا تزهق، لا تملّ، لا تضجر، لا تكتفي بلذّة، بل تزهو، بل تتلمّظ، بل تستزيد، وتطالب، مستميتًا في مراودة الألوان، في مزجها، في اكتناه أمزجتها، رغباتها، شهواتها، وأحلامها، بل أيضًا في استنفار "عقلها الباطنيّ"، ولاوعيها، متواطئًا مع الدفتر الأبيض، مع الورقة، مع القماشة، مع الخشبة، ولِمَ لا مع الزجاج أيضًا، ولِمَ لا مع الحجر، أو مع سبيكةٍ من نحاسٍ وحديد. حتّى إذا استتبّ لكَ الأمر، وارتحتَ إلى ما توصّلتَ إليه، وقفتَ أمام الزجاج المطلّ على حديقةٍ افتراضيّةٍ، أو على الشارع، متماهيًا، مأخوذًا، مسافرًا في غرائزكَ، في شهوات ملوانتكَ، التي كانت دائمًا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول