الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

في لبنان قلْ لي أيّ موسيقى تسمع أقلْ لكَ أيّ لبنان يعيش وينتصر

المصدر: "النهار"
الحياة من دون موسيقى خطأ.
الحياة من دون موسيقى خطأ.
A+ A-
"الحياة من دون موسيقى خطأ" (نيتشه).

إنّه خطأٌ لا يُغتفَر أنْ تُعاش الحياة بلا موسيقى. وخصوصًا إذا عرفنا عن أيّ موسيقى عظيمة يتحدّث نيتشه. أترك للمخيّلة الخلّاقة، مخيّلة الشعراء والفلاسفة والغيوم والأمطار والعصافير والأشجار والأنهر والينابيع والشموس والأقمار، أنْ تضع قائمةً بالموسيقات والسمفونيّات، التي يُعتبر إغفالها وعدم الاستماع إليها بمثابة جريمةٍ ضدّ الحياة، وضدّ الإنسانيّة.

لن أتبارى في إعداد مثل هذه القائمة، التي أعتقد أنّها ستكون مدعاةً للسخرية والاستخفاف والاحتقار لدى مجمل أهل الطبقة السياسيّة، المولعين حصرًا بموسيقى جنازات الدمّ والخراب والتيه والهجرة واليباس واليأس والرعب والقتل، في شقّيه، المادّيّ والمعنويّ.

كيف لحاكمٍ أنْ يحكم، إذا كان مهووسًا بموسيقى المقايضة والمحاصصة والانتقام والثأر والكيد والربح والسرقة والغلبة والاستكبار والإلغاء؟!

كيف لحاكمٍ أنْ يحكم، إذا كانت لا ترجّف قلبَه وعقلَه موسيقى تشايكوفسكي ورخمانينوف وكورساكوف ومندلسون وشومان وشميت وشتراوس وفيردي وشوبان وبرامس وباخ وموزار وبيتهوفن وفاغنر وليست وكارل أورف...؟

... أو إذا كان يطفئ الجهاز الذي يبثّ موسيقى من هذا النوع (أو موسيقى الجاز)، ويصمّ أذنيه، ويبدّل موضع الإبرة، أو القناة؟!

الحاكم يكون جديرًا بالحكم، إذا كان مستحقًّا الاستماع إلى الموسيقى، إلى هذه الموسيقى ومثيلاتها، وإذا كان جديرًا بها.

دون هذه الموسيقى الخلّاقة، غير هذه الموسيقى، ومثيلاتها، فليذهب الحكّام إلى الجحيم. هناك، يمكنهم تشنيف آذانهم وأرواحهم بالموسيقات التي تلائم أذواقهم وثقافاتهم ومعاييرهم وقيمهم وسياساتهم.

هذا من جهة أهل الطبقة السياسيّة. ولا تعميم.

لكن، ماذا عن الناس؟ إلى أيّ موسيقى يستمع اللبنانيّات واللبنانيّون؟

لا أريد أنْ أزعم أنّهم في الغالب، يستمعون إلى موسيقى الطبقة السياسيّة، المؤلّفة من المسؤولين والحكّام وقادة الأحزاب والتيّارات والميليشيات والطوائف والمذاهب. وهم يستمعون إلى هذه الموسيقى، إمّا طوعًا وإمّا قسرًا.

لا أريد أنْ أزعم أنّهم، لولا ذلك، لكانوا انقلبوا عليهم شرّ انقلاب، وأطاحوهم، وزجّوا بهم في السجون، أو علّقوا لهم المشانق، ووضعوا بذلك، حدًّا نهائيًّا لموسيقى الرعب القياميّة التي يجبروننا على الإنصات إليها صبح مساء، وليل نهار!

في افتتاحيّة جريدة "لوموند" الفرنسيّة هذا الصباح، أنّ لبنان لم يعد دولة. السلطة أصبحت أكثر من أيّ وقت مضى في أيدي كارتل من الأحزاب الطائفيّة، حيث يتعايش زعماء تقليديّون وقادة حرب سابقون ورجال أعمال (...)ـ لبنان هذا، أصبح وحشًا من المتعذّر حكمه.

الحياة، حياة لبنان، وحياتنا اللبنانيّة، أزعم أنّها ستظلّ تكون مجزرةً يوميّة، مستمرّة، وأبديّة، إذا جعلناها رهينة الموسيقى التي يتعبّد لها أهل هذه الطبقة السياسيّة.

الحياة بدون الموسيقى التي يقصدها نيتشه، هي خطأ. بل خطأ لا يُغتفر. بل جريمةٌ ضدّ الحياة، وضدّ الإنسانيّة.

في مثل هذا اليوم، في الرابع من كانون الأول 1945، ولد سمير فرنجيّة، أحد القادة المتنوّرين القلائل النادرين الذين لامسوا العمل الوطنيّ والسياسيّ بالرقيّ العقليّ والأخلاقيّ والفكريّ والثقافيّ والإنسانيّ والدولتيّ.

لمثل هذا الرجل، لمثل عمله الوطنيّ والسياسيّ، تعزف له الموسيقى أبهى سمفونيّاتها الخالدة.

... في لبنان، قلْ لي أيّ موسيقى تسمع أقلْ لكَ أيّ لبنان يعيش وينتصر!
[email protected]
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم