السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مئة عام على ولادة عاصي رحباني (4 أيّار 1923- 21 تمّوز 1986): عشنا لبنانَكَ أسطورتَكَ لا حياتَنا التي يجب أنْ نجترحها لنحياها

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
Bookmark
كحياة عاصي رحباني تكون الحياة، لوحة لمنصور الهبر.
كحياة عاصي رحباني تكون الحياة، لوحة لمنصور الهبر.
A+ A-
في يوم ميلادكَ المئة، لن أقرّظّكَ، لن أمدحكَ، لن أكيلَ لكَ الأوصاف والصفات، وقد سئمتُ أنا منها، مثلما أنتَ ضجرتَ، وعنها نأيتَ، ومنها هربتَ. أقف أمام وزناتكَ، أمام الكنوز، فلا يعنيني في شيءٍ أنْ أحصي الممتلكات. العبقريّات، هي، في كلّ حال، لا تؤخذ بإحصاء، لأنّ الدلالة تتخطّى التفسير، تأنف العدد. ولأنّ المعنى هو الشكل، وهو كلّ المعنى، وهو الأسلوب كلّه، ويتفوّق على جغرافيا الأرزاق، ويتفادى التورط (التملغص) في تقسيم الحصص والإرث والميراث. ها أنتَ المولود قبل مئة عام، لكأنّك تولَد الآن، لكأنّكَ تبزغ غدًا، عميقًا – سأقول - كأرزة، طريًّا – سأشمّ عطركَ - كنبع. أفلا ينبغي لي من أجل وجودي، من أجل استكمال الحقّ والعزاء، أنْ أهرعَ إلى سهولكَ، إلى جبالكَ، إلى الأهراءات، إلى الخير الذي يؤدّيه طحينكَ، أغرفه، أمتلئ به، وبه أتحصّن، وبه أرفل، وعليه أتّكئ، لأدرأ الحياةَ، لأسدّ الرمقَ والحياة، وقد آلتْ إلى الخرابِ يلي فلولَ العدم والهباء؟! الحدسُ، وهو موهبةُ الشعر، يومئ أنّ خميركَ مخصبٌ وكثيرٌ، وهو – ولا بدّ - إلى أجيالٍ وأجيال. وأنّ سماءكَ لن تبخل بمطرٍ، ولا بزرعٍ، ولن تضنّ بربيع. وأنّكَ الكرْمُ كلّما لَذَّعَنا قحطٌ، أو قسا علينا هجيرٌ، أو كلّما اجتاحنا موتٌ، وخَرَّبتنا جحافلُ إرهابٍ ويأس، ومتى رَجَّف أرواحَنا عصفُ زلزالٍ، وكلّما أَوجَعَ أشعارَنا وأرواحَنا هجسُ زمهريرٍ وهولُ تفجير.أنا فقيرُكَ، أنا الفقيرُ إليكَ. وأنا مَن في حاجةٍ إلى مسعاكَ ومعناكَ ومرتجاكَ. أنتَ، على الأرجح، لا. لستَ في حاجةٍ إليَّ.هديلُ فنونكَ قد لا يُغني عن كلِّ غصنٍ وبلبلٍ، وقد لا يُنَسّي هديلَ الحمامِ والغمام. لكنّ حمحماتِ عقلكَ، حمحماتِ خيلكَ ومراتبَ الموسيقى تفتح الأزرقَ لي والأفقَ وسائرَ الشرفاتِ والرتاجاتِ وكلَّ شقوقِ الأبواب. غيومُكَ تهمي على عبوري، وأوراقُكَ الحبرُ تشقّ دروبَ الأحلامِ والأنهار، وألحانُكَ الفاكهةُ تشدّد عزمَ القلب، وإيقاعُكَ الخصرُ يرشد الإيقاعَ إلى الإيقاع، وشِعرُكَ الأخضرُ والذهبُ والغمرُ، ورؤياكَ الزبدةُ والجملةُ والنقطةُ والفاصلةُ وصفوةُ اللغة ووئامُ المنتهى.فهنيئًا مولدُكَ المئةُ، وهنيئًا أنّكَ حيث أنتَ، وأنّكَ لستَ في الهنا، علمًا أنّ الأمكنةَ لكَ، وفي الهناك.أصداحٌ هذا، أصداحٌ أنتَ، أم وقْعُ نسيمكَ في الروح؟! أموسيقى، أم كلماتٌ، أم هي إشاراتُ المثول في ما لا يعتريه لبسٌ ولا هوانٌ؟! لا أقرّظكَ، لا أصفكَ، لا أكيل لكَ المدائح. لكنْ، ما أجملكَ لأنّكَ كلّ ما ينزف فيكَ ومنكَ هو جمرٌ ونهرٌ وحبر. لأنّكَ كلّ ما تتنفّسه وما يتنفّسكَ هو...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم