الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خُطِفَ... وهو في طريقِ العودة

المصدر: النهار
سجعان قزي
سجعان قزي
Bookmark
لبنان
لبنان
A+ A-
 يعودُ إلى الذِكرياتِ عادةً الّذين طوَوا عقودَ العمرِ، فتقاعَدوا على شُرفةٍ تُطِلُّ على وادٍ أو على شاطئٍ تُجاهَ أفْقٍ مَجازيّ. لكنْ في لبنان، وقد سَدَّت الدولةُ أبوابَ المستقبلِ، صارت الذِكرياتُ يوميّاتِ الشبابِ أيضًا. كان كبارُ السِنِّ يَتذكّرون العقودَ السابقةَ والعصور، فصار شبابُ لبنان يَتذكّرون اليومَ السابقَ والأسبوعَ السابق والشهرَ السابق والسَنة. كان اللبنانيّون يَتذكّرون قِنديلَ الزيت فصاروا يَتذكّرون الكهرباء. كانوا يَتذكّرون جَرّةَ الماءِ فصاروا يَتذكّرون ماءَ الحنفيّة. كانوا يَتذكّرون طريقَ التراب فصاروا يتذكّرون الزِفتَ على الطريق. كانوا يتذكّرون الأُدباءَ فصاروا يَتذكّرون الأدَب. كانوا يَتذكّرون الاستقلالَ فصاروا يتذكّرون الانتداب. كانوا يتذكّرون المغتربين فصاروا يتذكّرون المقيمين. وكانوا يتذكّرون الأمواتَ فصاروا يتذكّرون الأحياء. ما هذه الدولةُ التي يَتذكّرُ شبابُها عوضَ أن يَحلُموا؟ وما هذه الدولةُ التي تَنقُل إلى شعبِها عَدوى الشيخوخةِ الـمُبكِرة؟ أُعطينا مئةَ سنةٍ لنَنجحَ في بناءِ دولةٍ ديمقراطيّةِ، وممارسةِ التفاعُلِ بين الأديان، ونشرِ الثقافةِ والعلمِ والرُقيِّ والازدهار. بَنيْنا كلَّ ذلك في سنةٍ واحدةٍ، ثمّ أمْضينا التسعَ والتسعينَ الأُخرى نَهدِمُ ما بَنيْناه. أعطانا التاريخُ موعِدًا فتَخلّفْنا عن الحضورِ، وحَدّدَ المستقبلُ لقاءً فاعْتذَرنا. قَدّمْنا إلى العالمِ أجملَ ما لدينا وأَبْقينا لبلدِنا القبحَ، أعطينا العالمَ السلامَ واحْتفَظنا لأنفسِنا بالسلاح. كنا في جنائنِ الحضارةِ فخَطفونا وزجّونا في كهوفِ التخلّف. أعادونا إلى فُرنِ الخبزِ نَرجو رغيفًا، وإلى قارعةِ الطريق نَتسَوّل قِرشًا، وإلى أبوابِ السفاراتِ نَستعطِفُ رحيلًا. نشعُر أنّنا...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم